تفيد مصادر متابعة للشأن الإيراني بأن وفداً عسكرياً كورياً شمالياً زار طهران في منتصف شهر ديسمبر الماضي، وحل ضيفاً على منظمة الصناعات الجوية والفضائية الإيرانية التي تقف خلف البرنامج الصاروخي وبإشراف من الحرس الثوري الإيراني، إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية رفضت منحهم تأشيرة دخول ثانية في شهر فبراير الماضي.

وفي حال استمرت الاتصالات مع العسكريين من كوريا الشمالية، فإن ذلك قد يعرض إيران إلى انتكاسة كبيرة في رفع العقوبات الاقتصادية التي وعد بها الغرب إن التزمت الحكومة الإيرانية بالاتفاق الأولي للتفاوض النووي.

وعلى ما يبدو، فإن هذه الزيارات والاتصالات تمت خلافاً لرغبة حكومة الرئيس حسن روحاني، ولا يعرف موقف المرشد الأعلى آية الله خامنئي إن كان قد وافق عليها. وزارة الخارجية الإيرانية رفضت منح تأشيرات لأعضاء الوفد الكوري الشمالي في فبراير الماضي.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا هذا الإصرار على التسليح بتقنية إطلاق الصواريخ وتعريض السياسة الدولية التي ينتهجها حسن روحاني في المفاوضات النووية لتحسين صورة إيران في العالم إلى الخطر؟ هذا لو رفضنا النظرية التي تقول إن السياسة الإيرانية لم تتغير، حيث توحي طهران للعالم بأن ثمة مراكز قرار في البلد حتى تتم تبرئة ساحة الرئيس من تداعيات تصرفات هذه المراكز.

في 9 من فبراير، أي بعد يوم من كلمة المرشد التي اتهم فيها الولايات المتحدة بالسعي لإسقاط النظام الإيراني وتأكيده على ضرورة تطوير القدرات العسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعث عدد من نواب مجلس الشورى رسالة إلى حسن روحاني احتجوا فيها على تلكؤ الرئيس في دعم المناورات العسكرية، خاصة الصاروخية، مطالبين إياه بتقديم إيضاحات بهذا الشأن.

وبحسب وكالة “فارس” للأنباء القريبة من الحرس الثوري جاء في الرسالة: “للأسف لم يتم لأول مرة منذ 10 أعوام إصدار تصريح من قبل أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لإجراء المناورة الصاروخية السنوية للقوات المسلحة، ولم تصدر كذلك التعليمات اللازمة لتخصيص الاعتمادات الضرورية والجادة بغية دعم البرامج الاضطرارية للقوات المسلحة”.

ودعوا الرئيس إلى إبداء “المزيد من الدعم الجاد” للقوات المسلحة لـ”تطوير قدراتها الدفاعية”.

أميركا اليوم أضعف من أن تهدد إيران

خامنئي في زيارته لكوريا الشمالية في الثمانينيات

وبالتزامن مع ذلك وجّه 22 من النواب رسالة إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف – حسب وكالة أنباء “تسنيم” القريبة من الأجهزة الأمنية – وسألوه: “ما الأسباب التي جعلتك لا تدافع عن التطور الدفاعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتمنع وفداً من الخبراء الأجانب الذي كان من المقرر زيارته لإيران بهدف تطوير القوة الصاروخية؟”.

كما أشاروا أيضاً إلى تصريحات المرشد، مدعين أن “القوة الدفاعية والعسكرية الإيرانية أعجزت الأميركيين، فعلى السلطة التنفيذية ألا يساورها القلق جراء التهديدات الأميركية، لأن أميركا اليوم أضعف من أن تهدد إيران”.

وتفيد التقارير بأن النائب الإيراني حسين علي حاجي دليجاني قال أمام البرلمان إن وزارة الخارجية رفضت زيارة وفد كوري شمالي خبير في مجال الصواريخ بطلب من السفير الأميركي في الأمم المتحدة”.

ونقلت وكالة “فارس” للأنباء تصريحات إبراهيم إجباري، قائد فيلق “ولي الأمر” التابع للحرس الثوري، الذي حذر من مغبة التراجعات في المفاوضات، منوهاً بأنه “لو تصرفنا كأذلاء سيقال عنا إن هؤلاء الأذلاء باعوا كافة الإنجازات بثمن بخس”.

وتزامناً مع ذلك ذكرت “رويترز” أنها حصلت على وثيقة سرية من الأمم المتحدة تكشف التعاون التقني بين إيران وكوريا الشمالية في مجال إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات”.

وبحسب هذه الوثيقة التي هي عبارة عن تقرير خبراء مستقلين اختارهم مجلس الأمن للإشراف على العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، فإن التبادل بين كوريا الشمالية وإيران مستمر عبر إحدى دول الجوار الكوري، ما دعا دبلوماسيين في الأمم المتحدة إلى أن يوجهوا أصابع الاتهام إلى الصين التي تحظى بعلاقة جيدة بكل من طهران وبيونغ يانغ.

وبحسب التقرير، يستخدم البلدان شركتي الطيران المدني “هما” الإيراني، و”إركورئو” الكوري الشمالي، لنقل الأجهزة الصاروخية المحظورة بين البلدين.

التعاون الصاروخي بين طهران وبيونغ يانغ

وفد عسكري إيراني في زيارة لكوريا الشمالية

وتفيد التقارير بأن التعاون الصاروخي بين إيران وكوريا الشمالية ليس وليد الساعة، ففي 25 من يناير 2011 نشرت “مؤسسة الدراسات الاستراتيجية” بلندن تقريراً تحت عنوان “كوريا الشمالية.. القضايا الأمنية”، خصصت قسماً منه لتطور القدرات الصاروخية والذرية لبيونغ يانغ وتعاونها مع طهران في مجال صنع صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

ويقول آنتوان خلوبكوف، مدير مركز الأمن والطاقة الروسي، إن التعاون التقني بين كوريا الشمالية وإيران والذي بدأ منذ 1980 ليس سراً، حيث بدأ التعاون مع الجانبين في مجال تصنيع صواريخ “سكود” بتمويل إيراني.

وكان موقع “الصحافيين الخضر” الإيراني كشف في 11 ديسمبر الماضي – نقلاً عن مصادره التي وصفها بالموثقة – عن استقرار وحدة صاروخية كورية شمالية على الأراضي الإيرانية لتجربة 6 صواريخ باليستية من طراز “دي إف 31” مداها 7000 كيلومتر وقادرة على حمل رؤوس نووية، حيث حصل الحرس الثوري الإيراني على 11 منها عام 2009 من الصين بعد صفقة أكبر بين طهران وبكين بقيمة 11 مليار دولار، إلا أن “الطرف الصيني لم يتمكن من الوفاء بتعهداته نظراً للضغوط الدولية باتجاه فرض المزيد من العقوبات على طهران نتيجة لبرنامجها النووي المثير للجدل، وفي هذه اللحظة دخلت كوريا الشمالية على الخط كمخرج لاستمرار الصفقة الصينية الإيرانية”، حيث يتم تسليم التقنية الصاروخية والقطع الصينية إلى إيران عبر كوريا الشمالية التي لا تبالي بأي حظر مفروض على طهران.

وقام الكوريون بإنشاء قواعد صاروخية مشتركة مع الحرس الثوري الإيراني، حسب صفقة كبيرة بقيمة 3 مليارات دولار كمرحلة أولى على هذا الصعيد، حيث تعهدت بيونغ يانغ وبدعم من التقنية الصينية بتطوير الأنظمة الصاروخية الهجومية الإيرانية وبانتقال وحدات صاروخية كورية شمالية إلى الأراضي الإيرانية عند الضرورة للتعاون مع الحرس الثوري للإشراف على استخدام الصواريخ المذكورة”.

تقسيم الأدوار في السلطة الإيرانية أم خلافات حقيقية؟

ظریف يستقبل نائب وزير خارجية كوريا الشمالية

ويرى البعض أن الحرس الثوري الإيراني الذي يتلقى أوامره من القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي المرشد الأعلى للنظام الإيراني، آية الله علي خامنئي، يبذل جهوداً حثيثة للاستمرار في التعاون الصاروخي مع كوريا الشمالية، رغم السياسة المعلنة للرئيس الإيراني “المعتدل” حسن روحاني، الرامية إلى إثبات حسن نوايا طهران تجاه المجتمع الدولي ودول الجوار، لذا لو قبلنا جدلاً بأن ثمة خلافات حقيقية بين الحرس الثوري وروحاني بهذا الشأن فمن الطبيعي أن تحاول “القوة العسكرية الثورية” الالتفاف على الرئيس الذي صلاحياته مرتبطة بإشارة من الولي الفقيه الذي يقود القوات المسلحة الإيرانية.

وتؤكد كافة المؤشرات العلنية أن إدارة حسن روحاني تؤمن حقاً بضرورة إيجاد تقدم حقيقي في الملف النووي الإيراني، والحيلولة دون بلوغه الطريق المسدود، تمهيداً لإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، والتي أثقلت كاهل الشعب الإيراني وأثرت سلباً في الحياة المعيشية.

ولو رفضنا نظرية تقسيم الأدوار في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالسؤال المطروح هنا: هل يستطيع حسن روحاني إقناع المرشد الأعلى بكبح جماح التيارات المتشددة في السلطة، خاصة في الحرس الثوري؟

ولكن من يؤكد تقسيم الأدوار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يستند إلى اللقاء الذي جمع وزير خارجية إيران بنائب وزير خارجية كوريا الشمالية في 24 فبراير الماضي في طهران.

وذكرت وكالة “فارس” للأنباء أن ظريف أكد في هذا اللقاء إرادة طهران الاستمرار في العلاقات القوية بين البلدين، واهتمام الجانب الإيراني بتطوير العلاقات الثنائية، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، مشيراً إلى تقاسم الجانبين الرؤى المشتركة نحو بعض القضايا الدولية والإقليمية.