الذرو الملين

كنا نسمع ونحن صغار من الكبار أناشيد منها (يقول حميد ابن منصور، البغرة جد الزراعة) وتعلمنا لاحقا أن البغرة تعني الأرض المهيأة للحرث بعد مطر الوسمي، وإن لم تهطل الأمطار فلا بد من تليين الذرو أي وضع الحبوب المراد زراعتها في الماء لتلين ويسهل تفاعلها في التربة وتسارع في النمو، واعتاد المزارعون على سؤال الزراع العازم على الحرث إن كان ذروه ملينا أم لا؟، إذ يرى القرويون أن من لين ذروه لا داعي لنصحه وبذل الشور له كون البذار وضع في الماء استعدادا لنثره في الأرض وإن لم يزرع سيفسد، أما إذا قال : على الله فهنا تأتي النصائح من خبراء وعلماء بالفلك والنجوم فربما يكون التوقيت للمجدولة أو المشعورة أو البر أو الشعير ولم يكن في القرية إلا بيوت معدودة تحتكم على عاملة وزاملة ولذا لامناص من التعاصب بحيث يشترك اثنان بثوريهما أو حماريهما ليكونا آلة حرث ودياس ويوم الحرث يوم مشهود فرائحة تراب الأرض تنبعث من كل صوب وفوح شعل الخبز تعم القرى والصغار يحصبون الركايب عدا الأنخ الذي ترصد أمه حتى انشغلت بقلع الخبزة من الملة فقال لها أشغب قالت أشغب ظنا منها أنه سيرفع الصوت بالغناء فتناول طاسة السمن ومقها لآخر قطرة، واستعانت بالله ثم بجارتها واشتلت قفتها على رأسها وانطلقت إلى الوادي وكلها زهو كون فالها سيكون حديث القرية والقرى المجاورة كون المتعاصب مع بعلها من قرية مجاورة وكان سيد المزرعة تحت خوط عرعر في السند بجواره مذياع يصدح وفي كفه معبر يعمر به الرأس، نادت عليه: قم حط عني، فرد: أبشري بي، وعصيبه يتابع من طرف خفي ويتبسم، وبعض الدهاة عبر التاريخ يلين ذروه لكنه لا يشعر أحد ويستمر في المشاورة واستطلاع الخبرات والآراء وهو عازم وحازم على ما بيت النية عليه.. وسلامتكم.