أبريل 30, 2024 5:39 ص
أخبار عاجلة
الرئيسية / مقتطفات الصحافة / لن تنجب الأمة مثله

لن تنجب الأمة مثله

لا ينسى الكتاب والصحفـيون تذكيرنا بهذا الزعـيم أو ذاك، بمناسبة ذكرى ميلاده أو وفاته، وقـليلاً ما يتذكرون العباقـرة الذين أعـطوا الأمة ما لم تسـتطع إكماله أو البناء عليه. ولست أقارن، ولكنني ألـحَّ عـليَّ قول الـقاضي في مـحاكمة أبي الكيـمـياء الحـديـثـة لافـوازييه عام 1794 بعد انتصار الثورة الفرنسية : ” الجمهورية ليست بحاجة إلى علماء بل إلى عدالة” وما زال قوله هذا وصمة في تاريخ القضاء الفرنسي واستخفافاً مشيناً بالعبقرية لا مثيل له. وما أصدق العبارة التي قيلت عند إعـدامه ” إن قـطع رقبة لافوازييه لا يسـتغرق دقـيقة واحدة، ولكن مائة سـنة لا تكفي لتنجب الأمة واحداً مثله “. إن الدولة بحاجة إلى العلماء والأدباء والشعراء والفنانين، أكثر من حاجتها إلى “ثورجيين” يصفي بعضهم بعضاً

مرت أمس ذكرى ميلاد سـيد درويش الذي عجزت الأمة عن أن تـنجب عـبقرية مثلـه خلال 127 عاماً، وإذا بنينا المسـتقبل عـلى الحاضر فإننا نقول بثـقة إنها ” لن  تنجب مثـله” ولد السـيد درويش البحر مجدّد الموسيقى وباعث النهضة الموسـيقية في مصر والوطن العربي في الإسـكندرية في 17 مارس 1892 وتوفي في 10 سبتمبر 1923، أي إنه لم يعش أكثر من 31 عاماً وبضعة أشهر، ويذهـل المرء حين يطلع على نتاجه الموسـيقي والتـلحيني في هذا العمر القصير، ويتساءل: ماذا كان سيعطي لو أن الـلـه مدّ في عمره؟

ترك سـيد درويش عشـرة أدوار من أجمل وأكمل ما صنـع في هذا الـلون الذي لم يعـد أحد يكتبه أو يلحـنه، ولا يجرؤ مغـنو ومغنيات العصر الحديث على الاقتراب منه، من أشهرها “ضيعت مسـتقبل حياتي” و “أنا هويت”  كما ترك عـشرة موشـحات من أجمل الموشحات، أشـهرها موشـح “يا شـادي الألحان” الذي لم يبـق مطرب أو مطربة يحـترم الغناء الأصيل ويقـدر عـليه إلا غـناه. لكن الأهم أنه لحن عشـرين أوبريتاً (وهي مسـرحية غـنائية أهـملت تماماً في العـصر الحديث ما عـدا ما فعله الرحابنة) فإذا كان في كل أوبريت عـشـر أغان فإن هـذا يعني مائتي لحن.

والأهم أيضاً أنه التصق بالشـعـب، وراح يلحن لـلناس المهمّشـيـن: الشـيالين، والسـفرجية، وعمال الـبناء، وعمال البحر، والفلاحين، وبسطاء الناس وغيرهـم، كما شـغله الكـفاح الوطني، ويكفـي أن نذكر نشـيد “بلادي” الخالـد الـذي أخذ مطلعـه من خطبة لـلزعـيـم مصطفى كامل، وصار نشـيد مصر الوطني.

والعجب العجاب هـذا الإهـمال المتعـمد لسـيد درويش وتراثه، لم يكمل أحد مسـيرته، مات معـظم تراثـه حبيس الأدراج، وما من جهة تنفض عنه الغـبار، وتتجاهـله وسـائل الإعلام، ويلح سؤال كبير: لماذا؟

 

Reply to all
  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

أقوال تنسب إلى من لم يقلها

لم يتوقف الأمر عند نسبة أقوال إلى مفكرين وفلاسفة وسياسيين، بل تعدى ذلك إلى الكتب المقدسة، وقد حاولت إسرائيل أكثر من مرة توزيع نسخ محرفة من القرآن الكريم، وإذا كان يصعب أن نضيف شيئاً إلى كتاب الله، لأنه معجزة، فإن ميتي الضمائر، ومن باعوا أنفسهم للشيطان عمدوا إلى الحديث الشريف، فدسّوا حديثاً هنا، وحرّفوا حديثاً هناك، وكثرت الأحاديث الموضوعة، حتى لقد قال أحدهم: كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً، وقيل: كنا إذا حزبنا أمر صيرناه حديثاً (أي اشتد علينا)

نابليون بونابرت Napoléon Bonaparte أشهر من أن يعرف، وهو قائد عسكري فذّ، لكنه ليس سياسياً عبقرياً، يروى أنه قال “لا خطط تصمد عند لقاء العدو” وهي مقولة شهيرة عن فن الحرب، حيث لا تسير الأمور كما هو مخطط لها عند العمل على أرض الواقع أو في ساحة المعركة، فالواقع يفرض نفسه فوق أي تخطيط أو تصور مسبق. لكن تلك المقولة تحديداً تنسب إلى المارشال البروسي الألماني هيلموت فون مولتكه Helmuth von Moltke الذي كتب في منتصف القرن التاسع عشر “لا توجد خطة تنفذ بحذافيرها بعد الالتحام الأول مع القوات المعادية”

ينسب إلى السياسي البريطاني الأشهر ونستون تشرشل (1874 – 1965) أنه قال “إذا لم تكن ليبرالياً عندما تكون في الخامسة والعشرين من عمرك ، فليس لديك قلب، وإذا لم تكن محافظًاً في سن الخامسة والثلاثين، فليس لديك دماغ”. والحقيقة أن تشرشل لم يقل أبداً هذا الكلام، ويؤكد مركز ومتحف تشرشل في لندن سوء الإسناد، ويضيفون أن رئيس الوزراء البريطاني لم يكن ليقول مثل هذا في العلن، لاسيما أن زوجته كليمنتين كانت ليبرالية

مكيافيلي كاتب وفيلسوف وسياسي إيطالي(1469 – 1527)، وحتى الذين لم يقرؤوا حرفاً واحداً مما كتب ميكيافيللي يرددون “الغاية تبرر الوسيلة” حتى اخترعوا حول هذه المقولة مدرسة في السياسة سموها “الميكيافيللية” لم يكتب الفيلسوف والسياسي الإيطالي ذلك. وفي قصيدة كلاسيكية للشاعر الروماني أوفيد يمكن العثور على كلمات ترجمتها: “النتيجة تبرر الوسيلة”

نورما جين موتنسن اسم لا يعني لعامة الناس شيئاً، لكنه الاسم الحقيقي للممثلة الشهيرة مارلين مونرو (1926- 1962) وقد نسب إليها القول”المرأة حسنة التصرف نادراً ما تصنع التاريخ” ليس هناك ما يدل على ذلك، لأن المؤلف الحقيقي للقول هو أيضاً امرأة ذكية جداً، اسمها لوريل تاتشر أولريش وهي مؤرخة مشهورة، وأطلقت هذه العبارة في كتابها الذي صدر عام 2007 عن تاريخ المرأة المستعمرة ، “نادراً ما تصنع النساء اللاتي تصرفن بشكل جيد التاريخ”

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

نسبت خطأ إلى قائليها

كنا في ندوة، وتحدث أحد أدعياء العلم والثقافة فقال “وكما جاء في الحديث الشريف: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” وانتهت الندوة فقلت له: يا هذا، تأكد مما تقول قبل أن تقوله، فقال لي: كلامك صحيح، ولذلك قلت: “أو كما قال، خشية أن أكون قد أخطأت في النص” قلت بل أخطأت خطأ أشنع، وهو نسـبة هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ليس من الحديث الشريف، وإنما قاله عمرو بن العاص، ويروى بصيغ مختلفة. وبالمناسبة، إذا بحثتم عن هذه الحكمة في الإنترنت فستجدونها منسوبة إلى الإمام علي كرم الله وجهه، وهو منها براء، وهذا دليل آخر على أن الإنترنت تعج بالأخطاء

تنتشر أيضاً بين الناس عبارة تنسب إلى الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت، وقد أعدمت بالمقصلة مع زوجها لويس السادس عشر، والإشاعة أنها قالتها عندما خرج الناس ثائرين في الشوارع، وقيل لها إنهم يطالبون بحقهم في الخبز فقالت “لماذا لا يأكلون البيسكويت؟” وهذا خطأ شائع جداً، فقد وردت العبارة في كتاب “اعترافات” لجان جاك روسو الذي صدر بأجزائه بين عام 1764 وعام 1770 بينما بدأت الثورة عام 1789، وعندما كتب روسو الاعترافات كانت ماري أنطوانيت في العاشرة أو الثانية عشرة من عمرها فقد ولدت عام 1755م وتزوجت لويس السادس عشر عام 1770 م

“قد أختلف معك في الرأي، لكنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في إبداء رأيك” قرأنا هذه العبارة بصيغ شتى على أنها من أقوال الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694 – 1778) والحقيقة أنه لم يقلها، وإنما اخترعتها إيفلين بياتريس هول Evelyn Beatrice Hall في كتابها The Life of Voltaire (حياة فولتير) عام 1903. إيفلين التي كانت تكتب تحت اسم مستعار، اخترعت المقولة لوصف معتقد فولتير حول حرية التعبير، ولعلها كانت تتخيل ما سيقوله الفيلسوف عن الاختلاف في الرأي بين الناس، فوضعت الجملة، وتناقلها الناس على أنها من أقوال فولتير

“حتى أنت يا بروتوس!” كثيراً ما نسمع هذه العبارة في العتب على من لم تكن تتوقع أن تأتي منه الطعنة الغادرة، وتنسب خطأ إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر Julius Caesar (100 ق.م 44 ق.م) والحقيقة أن الإمبراطور الروماني لم يقل هذا، وإنها قاله يوليوس قيصر في مسرحية شيكسبير الشهيرة (1564 – 1617) بالاسم نفسه، وقد قال المؤرخ الروماني سويتونيوس ترانكويليوس مؤرخ الإمبراطورية الرومانية وعصر يوليوس قيصر إن ما قاله يوليوس قيصر كان: حتى أنت يا ولد! And you child?

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

كــثــيــراً مــا نــقـــرأ

} وجدت في إحدى المقالات «إن هذا درب من دروب الخيال» وأدركت أن الكاتب خانته ذاكرته، فهذا التعبير متداول كثيراً ولكنه «ضرب من ضروب الخيال» ويبدو أن الكاتب رأى أن «دروب الخيال» أجمل وأقرب إلى تصوره من «ضروب الخيال»، وكأن للخيال دروباً تقود إليه، أو نسير فيها، وسأشرح بعد قليل أصل هذه الكلمة.
وتذكرت أن فعل «ضرب» أول فعل نعلمه لأطفالنا «ضرب زيدٌ عمْراً» ولطالما تساءلت: لماذا نبدأ تعليم أطفالنا النحو بفعل عنيف هو فعل الضرب؟ ضرب يضرب (بكسر الراء وضمّها) لمَ لا نعلمهم «رسم زيدٌ لوحة»؟ رسم يرسِم، أو «سجد زيد سجدة»؟ وما داموا يبدؤون بالضرب، لم لا تكون الأفعال التي تلي: طعن، قتل، نحر، ذبح، قطع، صرع، لكـَم، نسَف، وهكذا.
نعود إلى فعل «ضرب» ومن الكلمات المشتقة منه «ضريبة» وجمعها ضرائب، وقد تنوعت في العصور الحديثة مثل ضريبة الدخل، ولكنها موجودة بهذا المعنى منذ نشأة اللغة، ولكن «ضريبة السيف» حدُّه، والضريبة: الصوف أو القطن أو الشعر يُنفش ثم يُدرج ثم يُشد بخيط ليغزل، والضريبة: القطعة من القطن، والضريبة: الرجل المضروب بالسيف. ونعرف «الإضراب» ونقرأ أو نسمع كثيراً «أضرب العمال اليوم» وهذا فصيح، أضرب عنه: أعرض، وأضرب عن الأمر: أعرض وكفّ. ونعرف المِضرب (بكسر الميم) وهو كل ما ضرب به، واستعمالها الآن صحيح: مضرب التنس، مضرب كرة الطاولة، وهكذا.
أما «الضرْب» فهو مصدر فعل ضرب، ولكنه أيضاً المثل والشبيه، فتقول: عندي من هذا الضرب، أو: هذه الأشياء على ضرب واحد، والجمع ضروب، ومن هذا أتى التعبير: ضرب من ضروب الخيال.
} وكثيراً ما نقرأ في لغة الأدب «وكان مكفهر الوجه منتفخ الأوداج» ونفهم من السياق أنه كان غاضباً، و«مكـْفهِرّ» أصلها من الطبيعة، فالمكفهر من السِحاب: الذي يغلـُظ ويسودّ ويركب بعضه بعضاَ، وقيل هو العُبوس، وفي الحديث الشريف «القوا المخالفين بوحه مكفهر» أي عابس قـَطوب، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا لقيت الكافر فالقه بوجه مكفهر، أي بوجه منقبض كالح لا يرى فيه أثر بِشر ولا فرح.
أما «منتفخ الأوداج» فالأصح القول: منتفخ الودجين، لأن للإنسان «ودجين» كما نقول: دامع العينين، ولا نقول: دامع العيون أو الأعين،لأن للإنسان عينين فقط. والودجان (بفتح الدال وسكونها) عرقان غليظان عريضان عن يمين ثغرة النحر ويسارها، وفي الحديث الشريف عن الشهداء «أوداجهم تشخب دماً» وقيل: الأوداج هي ما أحاط بالعنق من العروق ويذبحها الذابح.
} اللغة العربية لغة الحركات ما بين كسر وضم وفتح وسكون، إذ يتغير معنى الكلمة بتغير الحركة فوق الحرف أو تحته، ولنأخذ الجذر «جد».
للجد (بفتح الجيم) معان كثيرة، فهو أولاً أبو الأب أو أبو الأم، والجمع أجداد وجدود، وهو ثانياً الحظ والبخْت، وهو ثالثاً العظمة، قال تعالى «وأنه – تعالى جدّ ربنا – ما اتخذ صاحبة ولا ولداً» (3 سورة الجن) وفي حديث الدعاء «تبارك اسمُك وتعالى جدُّك» أي علا جلالك، والجد: عكس الهزل. وجدَّ فلان جدّاً: عظم، وجدّ الشيء وجدده بمعنى قطعه، لكننا نستخدم الآن فعل «جدد» بمعنى جعله جديدا. ورجل جُدّ (بضم الجيم) أي عظيم الجَد، أي محظوظ جداً، وبالمناسبة نقول الجديد بمعنى عكس القديم، ولكن الجديد تعني أيضاً المحظوظ، ونضيف «جُدّ» إلى النهر فتعني ضفته وشاطئه، ومثلها جدة النهر(بكسر الجيم وضمها) ومنه اشتق اسم «جُدّة» ولكن اللفظ نفسه «الجدة» يعني الطريقة، والجد (بضم الجيم) أحد أسماء البئر وهي التي تكون في موضع كثير الكلأ، وتعني أيضاً الماء القليل، وبالمناسبة أيضاً نجد كلمة «الجادة» التي نستعملها الآن استعمالاً صحيحاً، وسميت جادة الطريق بهذا الاسم لأنها خُطة مستقيمة، وجد كل شيء (بضم الجيم) جانبه.
} من الكلمات الشائعة جداً في لغة الأخبار والسياسة والفن كلمة «متفرج والجمع متفرجون» فنقرأ أو نسمع متحدثاً رسمياً يقول «إن بلادي لن تقف موقف المتفرج» ونقرأ في أخبار الفن «تجاوز عدد المتفرجين الآلاف» وأيضاً «من حق المتفرج على الفنان أن يمتعه بعمله» ونقرأ أيضاً في أخبار الفن «الفرجة المسرحية» هذه الكلمات وكثير غيرها مشتقة كلها من جذر واحد «فرج» بالراء المخففة والمشددة، وفعل «تفرج» (ومنه متفرج ومتفرجون) فعل حديث بهذا المعنى، بينما بقية المشتقات قديمة، ولها معانٍ أخرى.
الأصل كما قلنا فعل «فرج» (الراء مخففة ومشددة): الكشف، نقول: فرج الله غمّك (وفرّجه) أي كشفه وأزاله، ومنه الدعاء: اللهم فرِّج همّي، والفرجة (بضم الفاء) انكشاف الغم والهم، وقد صارت حديثاً تعني المشاهدة مع الاستمتاع، والاشتقاق جيد، ونقول: فرجة الباب، إذا انفتح قليلاً، ونقول الآن «فرّوج» وهي كلمة صحيحة وتعني ما نقصده: صغير الدجاج، ونقول الآن: أفرج عنه، إذا أطلق سراحه، وقد تستعمل الكلمة في أمور معنوية كما نقول: أفرج عن الوثائق، إذا أظهرها، وهنا أيضاً الاشتقاق جيد، لأن الأصل: أفرجوا عن المكان: إذا أهملوه وتركوه
} وكثيراً ما نقرأ ونسمع كلمتي «الجمهور والجماهير» فنقرأ أو نسمع: جمهور المسرح، ويقول فنان أو فنانة: أحيي جمهوري، وجماهير كرة القدم في الملعب، وتجمهر الناس، وفي أنظمة الحكم نظام جمهوري.
الأصل فعل «جمهر» تقول: جمهرت له (أوعليه) الخبرإذا أخبرته بجزء منه وتركت الباقي، لأنني لا أريد إطلاعه عليه، وجمهر القبر: إذا جمع عليه التراب ولم يطيّنه، وجمهر التراب: جمع بعضه فوق بعض، وجمهرت الناس إذا جمعتهم، ومن هنا «الجمهور» الرمل الكثير المتراكم، أليس الجمهور الناس الكثيرين المتجمعين؟ جمهور كل شيء معظمه. و«الجماهير» ليست جمع جمهور، بل جماهير القوم أشرافهم، والجمهوري هو العصير المطبوخ الحلال، وقد سمي بهذا لأن جمهور الناس يستعملونه، ونقرأ في كتب التراث: وقد اتفق الجمهور: ويعنون جمهور العلماء، وهذا صحيح، لأن جمهور الناس جلـُّهم.
} لم يستطع العرب الاتفاق على ترجمة لكثير من المصطلحات وأسماء الأشياء الجديدة، ولم تقم مجامع اللغة العربية بواجبها في هذا الميدان. لنأخذ الـ Mobile قالوا إنه الجوال، والمحمول، والنقال، والخلوي والخليوي، بينما فضل بعض العرب استخدام الكلمة الأصلية الإنجليزية أو الفرنسية. لا وجود لحرف G في اللغة العربية (كما ننطق الجيم المصرية) واختلف العرب في الحرف المقابل له، في مصر ينطقون «الجيم» معطـّشة كما نعرفها، ولذلك كان سهلاً عليهم كتابة وقراءة الإنجليزية، وجول (هدف ومرمى) وجولد (ذهب) وهكذا، وتبعهم في هذا كثير من العرب، أما في سورية فاستعملوا حرف «الغين» ولذلك كتبوا: سباغيتي (ٍ(Spaghetti وغولد (ذهب) وغول (جول) وغلاديس (اسم فتاة), في العراق كتبوا الحرف G على شكل الحرف ك ووضعوا فوقه هذه العلامة «/» بينما ينطق البدو وأهل الصعيد وبعض العرب «القاف» جيماً معطشة، فتجد «قـَلف»

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

كريستال سائل

تحل اليوم الذكرى العاشرة لرحيل الأديب العربي السوداني الكبير الطيب صالح عن عمر بلغ ثمانين عاماً، وقد كتب وقيل عنه الكثير، وهو – رحمه الله – يستحق كل تكريم، وما أخطؤوا حين جعلوا اسمه عنواناً لجائزة أدبية، فهو بهذا يتساوى مع الروائي العربي الأشهر في القرن العشرين نجيب محفوط

لكنني لن أتحدث عن الأديب الكبير، بل عن نجمة كبيرة جداً لا تنال ما تستحق من التكريم والحديث عنها في ذكرى ميلادها أو وفاتها، ويذكرني صوتها بما قاله “سايمون كول” معد ومنتج البرامج الشهير لإحدى المتسابقات “صوتك كالذهب السائل” ولكنني أفضل تعريف الروائي المبدع الراحل جمال الغيطاني بأن صوتها “كريستال سائل” ويكفيها أيضاً أن موسيقاراً عبقرياً هو الراحل عمار الشريعي وزع أغنياتها عزفاً وسمى الألبوم “مجنون ليلى” ولعلكم أدركتم الآن أنني أعني الفنانة الراحلة ليلى مراد التي مرت أمس ذكرى ميلادها في 17/2/1918 وتوفاها الله في 21/11/1995 ويقول الناقد السينمائي طارق الشناوي بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لميلادها ” أنا واحد من ملايين عشاق ومجاذيب ودراويش ليلى مراد، من علامات الجنون أنى أصحو على صوتها، وأنام على صوتها، وبين النوم واليقظة لا يفارقنى صوتها ولا ملامحها”

ليلى مراد واسماعيل يس هما الفنانان الوحيدان اللذان كان اسم كل منهما يرد في عنوان الفيلم، وعندما كانت ليلى ممثلة ملء السمع والبصر كانت تتقاضى 15 ألف جنيه عن الفيلم الواحد، ودون اللجوء إلى قيمة المبلغ الشرائية، نذكر للمقارنة أن فاتن حمامة كانت تتقاضى 5 آلاف جنيه، ليس لأن ليلى ممثلة أفضل من فاتن، بل لأن المنتجين يريدون الاسم الذي يجذب المشاهدين أكثر

ليلى مراد مصرية يهودية ، عندما كان أبناء الشعب المصري يعيشون في وئام ومحبة دون النظر إلى ديانة كل منهم، وقد أسلمت وأعلنت إسلامها عام 1946وفي هذا دليل على كذب الإشاعة التي راجت بأنها تبرعت لإسرائيل بمبلغ 50 ألف جنيه، فلم تكن إسرائيل موجودة حين أسلمت، وأشاعوا أيضاً أنها زارت إسرائيل، ولو أن هذا حدث فعلاً، لملأت إسرائيل الدنيا ضجيجاً

وأضرب دائماً ليلى مراد مثلاً للفنان الذي يعرف متى يجب أن يتوقف، فقد اعتزلت الغناء والتمثيل وهي في أوج تألقها، وعمرها 45 عاماً، والتزمت بذلك، ولم يرها أحد بعد ذلك لا في لقاء صحفي ولا تلفزيوني ولا في حفلة، بينما أم كلثوم نفسها ظلت تغني حتى صار عمرها 75 عاماً، وكان واضحاً أن صوتها لم يعد يصلح للغناء، حتى إنها لم تستطع تقديم أغنيتها الأخيرة على المسرح، وكررت صباح الغلطة، وتكررها بعدها فيروز

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

بأية حال عدت يا فالنتاين

كانت جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري من أبشع الجرائم، أدانها الجميع واستنكروها لما كان الشهيد يمثله للبنان ومحيطه العربي، ولعل فئة من اللبنانيين استاؤوا أكثر، لأن الجريمة وقعت في 14 شباط / فبراير، فحرموا من الاحتفال بعيد الحب “يوم فالنتاين” في تلك السنة 2005 وما تلاها.

قبل سنوات ليست كثيرة لم نكن قد سمعنا بـ Valentine  ولعل بعضنا حسبه فناناً أو مصمم أزياء أو فرقة موسيقية، ولكن احداً لم يعد يجهل ما يمثله وما معنى Valentine Day . رفضه كثيرون، وأيده كثيرون كمناسبة للتعبير عن الحب، ومارسه كثيرون بأشكال مختلفة.

ولفالنتاين تاريخ طويل منذ العهود الرومانية، وارتبط باسم اثنين من القديسين المسيحيين، وأولى الإشارات الحديثة إليه كانت في قصيدة  للشاعر جيفري تشوسر كتبها عام 1382، وقد كتب ايريك شميدت عام 1849 قائلاً: “لقد أصبح يوم القديس فالنتين عطلة قومية في البلاد على الرغم من أنه لم يكن كذلك في الماضي.”

“إستر هاولاند” أول من أنتج بطاقات عيد الحب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1847. وتقدر الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأمريكية أن عدد بطاقات عيد الحب التي يتم تداولها في العالم سنويًا يبلغ حوالي مليار بطاقة، ومنذ القرن التاسع عشر، تراجعت الرسائل لتحل محلها بطاقات المعايدة التي يتم إنتاجها بأعداد كبيرة. أما في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد امتدت عادة تبادل بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأمريكية لتشمل الهدايا التي يقدمها الرجال وتشتمل على زهور وشيكولاتة تغلف بالساتان الأحمر، وتوضع في صندوق على هيئة قلب.أما في الثمانينات  فقد ارتقت صناعة الماس بمنزلة عيد الحب لتجعل منه مناسبة لإهداء المجوهرات.

بأي حال يستقبل العرب المناسبة؟ هل في الوطن العربي مكان للحب؟ صار اللون الأحمر سائداً ولكنه لون الدم وليس لون الورود، من العراق إلى سورية ولبنان واليمن وليبيا ومصر وتونس يسيل الدم أرخص من الماء، هل أبقوا مكاناً للحب؟ يقتل الأخ أخاه، وتهوي البيوت على رؤوس ساكنيها، ويبحث الناس عما يأكلونه في حاويات القمامة، وإذا وجدوا وردة فإنهم لن يترددوا في التهامها، فمن الذي سيهدي وردة حمراء؟ وهل بقي مكان للحب وسط الدمار والخراب والحزن والتشريد والجوع والفقر والدماء؟

بعض الفضائيات التي فقدت كل حياء تحتفل بفالنتاين وسط هذا كله، وتقدم فقرات عن الاستعداد لفالنتناين، أسمعتم بأوقح من هؤلاء؟ وتزيد فضائيات فتجري مقابلات مع بعض الناس لسؤالهم عن احتفالهم بفالنتاين، والغريب أن الناس يستجيبون، كيف للجائع المشرد الخائف المقهور المظلوم أن يحتفل؟

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

ليس الفتى من يقول كان أبي

 

اهتدى بعض النصابين والمحتالين (لاهداهم الله إلى الخيرات) إلى طريقة يضحكون بها على عقول بعض المغفلين، ويسرقون بها أموالهم. أسسوا جمعية أو هيئة وأطلقوا عليها اسماً رناناً، وأشاعوا بين الناس أنهم يستطيعون أن ينسبوا كل إنسان إلى أجداده الأولين، وصولاً إلى الجد الأول الذي يكون عادة أحد الصحابة الأخيار رضي الله عنهم جميعاً، ثم يعطون المغفل الذي يأتي إليهم بطاقة بلاستيكية مطبوعة بأناقة، تشبه البطاقة الشخصية التي نستخدمها جميعاً، وفيها شهادة بأنه ينتسب إلى الصحابي فلان الفلاني.

رأيت بيد أحد هؤلاء المغفلين بطاقة تثبت أنه ينتسب إلى سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، مع أن الثابت تاريخياً أن ابن الوليد لم يعقب، أي ليس له أحفاد، المهم أنهم قبضوا منه ما يساوي 70 دولاراً أي أكثر من راتب مهندس بعد خدمة 10 سنوات، ورأيت في يد آخر بطاقة تثبت أنه من نسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أجادل هذين ولا غيرهما، بأنهما كانا ضحية عصابة منظمة من المحتالين.

توفي أبو بكر رضي الله عنه سنة 13 هـ – 634 م أي إن بيننا وبينه 1428 سنة هجرية أو 1385 سنة ميلادية، وبحسب ابن خلدون يقسم القرن إلى ثلاثة أجيال، أي إن بيننا وبين أبي بكر أكثر من أربعة عشر قرناً، أي 42 جيلاً، فكيف استطاع هؤلاء تتبع هؤلاء الأجداد جميعاً للوصول إلى أبي بكر؟ ما مؤهلاتهم العلمية والتاريخية والثقافية ليصدروا هذه الأحكام؟ إنهم يلعبون على مرض متأصل فينا جميعاً هو الاعتزاز بالماضي والتفاخر بالأنساب، وهذا ما نهى عنه الإسلام نهياً قاطعاً. سئل الإمام جعفر الصادق بن الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعاً: أأنت حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب رضوان الله عليه: إن صدقت الوالدة، يا للتواضع! وبعد أربعة عشر قرناً أو تزيد، يأتيني هذا أو ذاك ليقول إنه حفيد الصديق أو الفاروق أو أبي عبيدة أو غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم

يلخص هذا الأمر بيتان من ثلاثة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو أول هاشمي أبوه وأمه هاشميان، قال الإمام

 كن ابن من شئت واكتسب أدباً     يُغـنيـكَ محمـودُه عـن النسَبِ

إنّ الـفـتى مـن يـقــولُ هـا أنـذا     ليس الفـتى من يقولُ كان أبي

ولعل الإمام كرم الـلـه وجهه يسـمح لي بأن أسـتبدل “عملاً” بقـوله “أدباً” فيصيـر البيت الأول

كن ابن من شئت واكتسب عملاً

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

أن تصل متأخراً

ليست اللغة وسيلة تواصل وتفاهم بين البشر فقط، بل لغة كل أمة وعاء حضارتها وثقافتها وتاريخها، ولغتنا العربية تتميز بخاصية ليست موجودة في لغات العالم الأخرى، وهي أنها لغة القرآن الكريم، ولا تجوز صلاة المسلم إلا بها، حتى لو كان لا يعرف من العربية شيئاً.
ولقد عانت هذه اللغة الكثير الكثير من إهمال أبنائها لها وعقوقهم، حتى صارت غريبة على الألسن، وكان من نتائج هذا الإهمال أمور كثيرة كتب وتحدث عنها الغيورون على لغتهم، ولكن التيار كان جارفاً، وكانت الآذان صماء، من هنا كان ترحيبنا الحار بالقانون الأميري القطري رقم 7 لعام 2019 لعله يعيد إلى العربية بعض الذي تستحق، ولا نستطيع انتظار قمة عربية لتتخذ قراراً عاماً شاملاً..
ولن أعيد مواد القانون، ولكن الأهم فيها في نظري ما يتصل بالتعليم، وليس في أمم الأرض كلها أمة تعلم بغير لغتها إلا الأمة العربية، وليست المصيبة في أن الطالب يتخرج من الجامعة وهو لا يستطيع قراءة سطرين بالعربية، المصيبة أن هذه الأجيال الجديدة ينهي الطالب فيها المرحلة الثانوية وهو لا يستطيع قراءة الفاتحة، ولأن اللغة ناقل الحضارة والتاريخ والثقافة، فإننا نخشى أن هذا الطالب لن يعرف أسماء الخلفاء الراشدين ولا قادة الفتوح الإسلامية، ولا صانعي الحضارة العربية الإسلامية، وأذكركم بالمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد الذي شـعر بالخجـل لأنه يتحدث عن القضايا العربية ويكتب وهـو الفيلسـوف العالمي بلغة غير العربية، فعاد إليهـا وتعلمها وصـار يكتب ويحاضر بها.
وقد ترك القانون مساحة من الحرية للمؤسسات التعليمية، ونرجو أن يتم الانتباه جيداً لهذا الأمر الذي لا نعرف كيف سيتم ضبطه، ولكننا نريد شدة في تطبيقه، وقطعاً لطرق التحايل عليه، وأن تضع الوزارات المختصة الضوابط لتدريس العربية تدريساً علمياً حديثاً، لا ينفر التلاميذ والطلاب منها، ولعلنا نقترح أن يكون إتقان العربية – أوالحد الأدنى منها – شرطاً لنجاح الطالب في الثانوية أو الجامعة.
وفرحت بالمادة الثامنة من القانون التي تنص على أن «تسمى بأسماء عربية الشركات، والمؤسسات ذات الأغراض التجارية والمالية والصناعية، والعلمية والترفيهية أو غير ذلك من الأغراض» فلقد تعبنا من الأسماء الأجنبية تسمى بها المحال التجارية حتى الصغيرة التافهة منها «سيليكشن، كونكورد، برودواي» وأرجو أن ألفت الانتباه إلى اللغة العرجاء التي تكتب بها اللافتات التحذيرية في الطرقات (استخدم طريق بديل) وإلى ما يشوب لغة الإعلانات من جرائم بحق اللغة.
ربما تأخر هذا القانون الذي كنا نتمناه وننادي به، ولكن! أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً.

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

مقتطفات صحفية

 

  • كان أحد كتاب الوطن يصر على وضع الحركات فوق الأحرف (التشكيل) وفي هذا إهانة للقارئ ومدققي اللغة في الصحيفة، وسـميته يومها “الكاتب الذي يتباهى بالخطأ”، لأنه كان يشـكّل الكلمات خطأ، وتوقف عن الكتابة، ووجـدت آخر يفعل فعله، فيقول في إحدى مقالاته “وقد لا تعمِّر طويلاً” هكذا قرر أن الميم مكسورة، وليس الوحيد في هذا الخطأ، لأن كثيرين يقولون ويكتبون “المعمِّر والمعمِّرون” ويقصدون كبار السن، والصفة معمر اسم فاعل من “عمَّر” لكن هذا الفعل من “التعمير” أو الإعمار، أما العمر فنقول: عمِر الرجل يعمر (بضم الميم وفتحها وكسرها) عاش وبقي زماناً طويلاً، وعمَره الله وعمَّره: أبقاه، فتكون “معمَّر” اسم مفعول ناب عن اسم الفاعل، ومن كان ينصب نفسه عالماً لغوياً كصاحبنا لايقول “طفيلاً” والصحيح كما يعلم الجميع “طفيليّ” ولا يقول “وصولاً للتجويع” فالتعدية هنا تكون بحرف الجر “إلى” وليس باللام.

  • كتبت مرة عن كلمة “نعوة” التي يستخدمونها على أنها إعلان خبر الموت، وهي غير صحيحة، إذ قاسوها على “دعوة” ولكن هذه من الفعل “دعا يدعو” بينما الأولى من الفعل “نعى ينعى” وهذا هو الخطأ الشائع الثاني في هذا المجال. قرأت مؤخراً في عنوان إحدى المقالات “القمة التي تنعيها إسرائيل مقدماً” وتلاحظون أولاً أن العنوان “تفصيح” للعامية، وكان الأفضل له القول “إسرائيل تنعي القمة قبل عقدها”، ويبقى الخطأ في فعل “تنعي” وهو غير صحيح. نعى ينعى نعياً، والنعْي والنعِيُّ الإشعار بموت الميت، وجاء نعْي فلان (ونعِيُّه) أي خبر موته، والناعي الذي يأتي بخبر الموت.

  • كتب كاتب خفيف الظل ظريف القول مقالة بعنوان “شكراً أيها النطـّاس” ويقول إن محامياً بدرجة مستشار أرسل إليه يحثه على استخدام الكلمات العربية لا الأجنبية، وأنا معه في رفضه هذا الطلب، لأن الناس لم يتقبلوا التسميات التي يقترحها المحامي من نوع: الخيالة أي السينما، والرائي أي التلفزيون، ولكن المحامي والكاتب كليهما وقعا في الخطأ حين قالا إن الطبيب يدعى “النطاس” وهي على وزن غواص ودهان ونجار وغيرها. وصيغة “فعّال” في اللغة أشهر صيغ مبالغة اسم الفاعل: باسم وبسّام، ضاحك وضحاك، قاتل وقتال (وثمة شاعر قديم يدعى القتّال الكلابي).

يقول المعجم: رجل نطـْس ونطِس ونطـُس ونطيس ونِطاسي: عالم بالأمور حاذق بالطب وغيره، لم تكن التسمية مقتصرة على الطبيب ثم استقل هذا بها، والنُطـُس: الأطباء الحاذقون، وقد تقال نطِس ونطـُس للمبالغ في كل شيء. بالمناسبة تنطـَّس الأخبار: تجسسها، والناطس: الجاسوس، والتنطـُّس: التقزز والمبالغة في الطهارة.

  • وكتب هذا الكاتب في مرة أخرى “وأخذ يرتع كالحصان الجامح” وكان يعني أنه يسرع الجرْي والركض، لكنه جانبه الصواب في اختيار الفعل المناسب. رتع يرتع رتْعاً ورتوعاً ورِتاعاً. يقال: خرجنا نرتع ونلعب: أي خرجنا ننعم ونلهو، فالرتْع: الأكل والشرب رغـَداً في الريف. قال تعالى على لسان إخوة يوسف: أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون (12 سورة يوسف) أي يسعى وينبسط.

  • لا يعامل غير العاقل معاملة العاقل لغوياً إلا نادراً، وفي جوازات محدودة. كان محرر يتحدث عن بقرة سماها “البقرة الخارقة” لأنها هربت من الذبح، ولم يستطيعوا القبض عليها، وتركوها بعد ذلك تسرح في المكان الذي هربت إليه، وقال إنها هربت حين كانت مع بقرات “قبل أن يتم نقلهن إلى المذبح” والخطأ هنا أنه أورد ضمير جمع المؤنث العاقل “نقلهنّ” وكان عليه القول “قبل أن يتم نقلها” فنحن نتحدث عن “نياق” فنقول: وعليها يحمل الإنسان متاعه وأحماله، ولا نقول “عليهن”، ونتحدث عن الأغنام فنقول: ويستفيد الإنسان من لحمها وصوفها ولبنها. صحيح أن بعض الشعراء عامل غير العاقل معاملة العاقل، لكن هذا من الجواز الشعري، كقول أبي فراس الحمداني:

وقد صار هذا الناس إلا أقلـَّهم

ذئـاباً عـلى أجسـادهـنَّ ثـيـابُ

وكان عليه القول “على أجسادها” لكن هذا يكسر الوزن، ولم يكن أبو فراس جاهلاً بهذا، لكنه غامر بهذا الجواز الشعري ليكتمل هذا البيت الذي يشكو فيه الحياة.

  • لا مفرّ من التنبيه مراراً إلى خطأ نحوي شائع هو معاملة بعض الكلمات التي تأخذ شكل جمع المؤنث على أنها مؤنثة حقاً. نقول: قالت إحدى المعلومات المؤكدة، وجاء في إحدى الموضوعات، ونقلوه إلى إحدى المستشفيات، وإحدى معتقدات الناس الظالمة، بعض هذه الجمل صحيح، وبعضها خطأ، فالقول: “إحدى المعلومات” صحيح، لأن مفردها معلومة، وهي مؤنثة، أما بقية الجمل فغير صحيحة، لأننا ننظر إلى المفرد: موضوعات مفردها موضوع، مستشفيات مفردها مستشفى وهو مكان الاستشفاء، معتقدات مفردها معتقد، وهكذا فإنها كلها وما شابهها لا تجوز معها “إحدى” بل يجب أن تكون “أحد”

  • كتبت مرات أنني لا أحلم بأن ملاحظة نبديها، تبيّن الخطأ والصواب في اللغة، ستجعل بعض الكتاب يكفـّون عن الوقوع في هذا الخطأ، ويعودون إلى الصحيح ليلتزموه. من هذه الأخطاء الشائعة جداً “تعدية” الفعل اعتاد بحرف الجر “على” وهذا من العامية ، والفعل كما تعرفون لازم ومتعدّ، فالفعل “اللازم” يكتفي بالفاعل، والمتعدي يحتاج إلى أن يتعدى بعد الفاعل إلى غيره ليكتمل المعنى، و”المتعدي” يتعدى بنفسه أو بحرف جر، وفعل “اعتاد وتعوّد” يتعدى بنفسه، فما بالي أقرأ في مقالة واحدة لمن يدعي الفهم والعلم بالقرآن والأدب والتاريخ هذه الجمل بعد تغييرها قليلاً: فنحن متعودون على هذا، إن العنف بشع، واعتياد الإنسان على تلقيه، فالذي اعتاد على حمل الأحجار الثقيلة.

  • لا يستغني الكتاب العرب عن الشعر، فهم يدعمون آراءهم ببيت من الشعر، أو يوردونه لما فيه من حكمة، ولكن إيراد الأبيات يخضع لقواعد: أن ينسب البيت إلى قائله، وهذا أبسط حقوق الشاعر الأدبية، وأن ينقل البيت صحيحاً “نحوياً” فليس شاعراً من يخطئ في نحو اللغة وصرفها، و”عروضياً” إذ لا يعقل أن نجد بيتاً مختلاً عروضياً ثم نسميه شعراً، فما بالك إذا كان لأحد الفحول؟

أورد أحدهم بيتاً من أبيات المتنبي الرائعة في الفخر بنفسه، حيث يقول إنه لا يتعب ذهنه كثيرأ في نظم القصيدة، بينما يسهر الآخرون الليالي من أجلها:

أنام ملء جـفـوني عن شـواردهـا

ويسهر الخلق جرّاها ويختصموا

لكن الكاتب قال “ويختصم” أي صار الفعل للمفرد، ونسي أن “الخلـْق” تعني الناس، فكأن المتنبي قال: ويسهر الناس، والطريف أن العامة يستعملون الكلمة استعمالاً صحيحاً.

وهذا البيت من آخر قصيدة آنشدها المتنبي بين يدي سيف الدولة، وافتخر فيها بنفسه فخراً لم يسيقه إليه أحد، ولا لحق به أحد، حتى قال:

سيعلم الجمع ممن ضمَّ مجلسـنا

بأنني خيـر مَـن تسـعى بـه قـدمُ

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسـمعت كلماتي من به صمَمُ

وكان المعري يقول: أنا المقصود بهذا البيت.

 

 

 

  • facebook
  • linkedin
  • twitter
  • rss
  • email

فيلسوف أم شاعر؟

لا أحد يجهل أغنية فيروز “أعطني الناي وغنِّ” وقلائل جداً يعرفون أن ملحنها مغترب لبناني اسمه نحيب حنكش، ثم تبين أن اللحن مسروق من أغنية برازيلية، وقلائل أيضاً من يعرفون أنها من شعر اللبناني المهجري جبران خليل جبران الذي حلت أمس ذكرى ميلاده، فقد ولد يوم 6/1/1883 ومات بمرض السلّ في 10/4/1931 وعمره 48 عاماً. لماذا حقق جبران شهرة لم يحققها أي أديب لبناني مهاجر؟ ولماذا كتبه الأكثر مبيعاً بالإنجليزية بعد شكسبير ولاوزي أو لاوتزه الفيلسوف الصيني من القرن السادس قبل الميلاد؟

ولد في بلدة بشري في شمال لبنان ونشأ فقيراً، ولم يلتحق بالمدرسة، اشتهر عند العالم الغربي بكتابه “النبي” الذي نشره سنة 1923وترجم منذ ذلك الحين إلى أكثر من خمسين لغة، مضمونه اجتماعي مثالي تأملي فلسفي، ورسالة النبي رسالة المتصوف المؤمن بوحدة الوجود، وبأن الروح تـتعطش للعودة إلى مصدرها، وبأن الحب جوهر الحياة.

“النبي” كتاب متميز جداً بأسلوبه، وهو غني بالصور التلميحية والأمثال، والجمل الاستفهامية الحاضة على تأكيد الفكرة نفسها، ثمة تشابه أيضاً بين “النبي” و”هكذا تكلم زرادشت” لـنيتشه، واختار كلاهما حكيماً ليكون لسان حاله. مع ذلك تتسم كتابة نيتشه بالرمزية الشديدة والفصاحة الفخمة، بينما تمتاز كتابة “النبي” بالبساطة والجلاء وبنفحة شرقية

في عام 1931 كتب جبران “شغل هذا الكتاب الصغير كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه”. لم تذهب جهوده عبثاً، بعد قرن على صدوره، ما زال ملايين القراء في أنحاء العالم يتداولون الكتاب. ترك جبران أحد عشر كتاباً بالعربية وتسعة كتب بالإنجليزية، وجمع شعره في ديوان لا يضم سوى 415 بيتاً

كان جبران ميالاً منذ الطفولة إلى الوحدة والتأمل أحلام اليقظة. وظل في مراهقته منطوياً على نفسه، بعيداً عن الأقارب والجيران. وكان سريع البديهة، متواضعاً و طموحاً . وكان شديد الرغبة بالشهرة ولو عن طريق الانتقاد

من أجمل ما قرأت له ” أنا مسيحي، ولكنني أهوى النبي العربي، وأكبر اسمه، وأحب مجد الإسلام وأخشى زواله، أنا شرقي ولي فخر بذلك، ومهما أقصتني الأيام عن بلادي، أظل شرقي الأخلاق، سوري الميول، لبناني العواطف. خذوها أيها المسلمون، كلمة من مسيحي أسكن «يسوع» في شطر من حشاشته، و«محمداً» في الشطر الآخر. إن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي، فلا ينقضي هذا الجيل إلا والشرق في قبضة ذوي العيون الزرقاء”

أوصى جبران أن تكتب هذه الكلمات على قبره: “أنا حي مثلك” هل كان يتنبأ؟

email