المقابلة التي أجريتها بعد انتهاء قمة كامب ديفيد يوم الجمعة الماضي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبثتها “العربية” في اليومين الماضيين، كانت محددة الوقت مسبقا من مسؤولين في البيت الأبيض بربع ساعة فقط، وهو أقصى ما يمنحه الرئيس الأميركي عادة في المقابلات التلفزيونية للإعلام الأجنبي، لكنه أضاف 13 دقيقة إلى وقت المقابلة التي تمت في الطابق الأرضي، داخل أشهر بيت رئاسي في العالم.

وقبل المقابلة كان كل شيء متسارعا، بدءا بعملية التنسيق لفريق التصوير ومدير الإنتاج وحجز الأقمار الصناعية، وربطها بكابلات غرفة مجاورة لأخرى جرت فيها المقابلة بالبيت الرئاسي، الذي طلب قبل يومين من اللقاء بالرئيس، أي الأربعاء الماضي، الحصول على اسم كل فرد من فريق التصوير والمونتاج، كما والمتعاملين مع الأجهزة والمعدات وإشارات الميكروفون اللاسلكية، إضافة إلى جنسيته وعنوانه ووظيفته ومكان وتاريخ ميلاده.

ولبينا الطلب في وقت كنت وزملائي منهمكين بتأمين فريق تصوير كامل مزود بثلاث كاميرات، وآخر فني لعمل “الماكياج” والمونتاج على الهواء، حتى لا نخسر الوقت بالعودة إلى المكتب وتأخير عرض المقابلة التي حدد البيت الأبيض موعدها في الثانية و10 دقائق بعد ظهر الجمعة الماضي، علما أني كنت أستعد الأربعاء للتوجه في اليوم التالي إلى كامب ديفيد، البعيد 100 كيلومتر تقريبا عن واشنطن لتغطية القمة هناك.

بعد القمة عدت ليلة الخميس من “الكامب” إلى واشنطن، وأمضيت الوقت أحدد بالتعاون مع الزملاء في “العربية” الموضوعات والأسئلة، التي كنت أرغب بطرح الكثير مما يخص منها ملفات مهمة عن الشرق الأوسط على الرئيس، الذي أعرف عنه مسبقا ميله إلى استخدام العبارات الطويلة في المقابلات، وعدم رغبته عادة بأن يقاطعه أحد أثناء الإجابات.

بنطلون “جينز” وتنورة قبل المقابلة

لم أفكر يوم المقابلة بما سأرتديه، وهي مشكلة إضافية تواجه الصحافيات العاملات في التلفزيون بشكل خاص، إلا أن البيت الأبيض “حلال المشاكل” قال إن لديه شخصا يعمل ماكياج لقاء 200 دولار، وأسعدني الحل، لأنه خفف من ضغط إضافي كنت أعانيه، مع أن تسعيرة الماكياج غالية بعض الشيء.

التقيت بزميلي إبراهيم العتيبي، والذي وفد على وجه السرعة من دبي، ولاحظت حين كنت أضع اللمسات الأخيرة على الاسئلة أن بنطلونه “جينز” فسألته: “ستذهب هكذا إلى البيت الأبيض؟”، ولما أجابني بنعم، أخبرته أن البروتوكول الرئاسي يتطلب أن ترتدي بنطلوناً عادياً، فاضطر إبراهيم إلى ترك الأجهزة والمعدات ليسرع في 5 دقائق إلى محل قريب، اشترى منه ما يرضي البيت الأبيض.

لكن متاعبنا لم تتوقف، لأني أدركت أن ملابسي لا تناسب المقابلة التلفزيونية، فاضطررت إلى شراء بنطلون قبل ربع ساعة من التوجه إلى بوابة البيت الرئاسي الأميركي، وكنت وأنا أراجع الأسئلة في ذهني أتذكر أن الملابس المريحة هي جزء من “سيكولوجيا” المقابلات المهمة. كما استعنت أيضا بجاكيت سوداء أتركها عادة في المكتب، فوضعتها وبدا ما ألبسه كأنه بدلة مفصلة شخصيا للقاء الرئيس.

وساعدتني زميلتي بعلبة ماكياج

وصلت والفريق الذي كان معي إلى بوابة البيت الرئاسي الأشهر بالعالم منذ منتصف القرن العشرين إلى الآن، وعنده أتممنا الإجراءات الأمنية مع الشرطة السرية، ثم توجهنا برفقة مسؤولة الاتصالات إلى باب خلفي للدخول إلى غرفة يسمونها “ماب روم”، لأن جدرانها مزينة بخرائط استخدمت في الحرب العالمية الثانية، زمن الرئيس الراحل فرانكلن روزيفلت، كغرفة عمليات عسكرية تقريبا، وفيها أدلى الرئيس أوباما بقسمه أمام قاضي المحكمة العليا، جون روبرتس، بعد تنصيبه في 2009 رئيسا للولايات المتحدة.

وواجهتنا مشاكل في “غرفة الخرئط” المعدة للمقابلة، أهمها أنه لا يمكن نقل قطع الأثاث، وهي أثرية، إلا بمساعدة من رجال الشرطة السرية الذين وضعوا قفازات لنقل الكرسي أو الطاولة بدقة، وسط ضيق الوقت، لأنه كان لدينا 3 ساعات لنصب الكاميرات وأجهزة الصوت والإضاءة، ونجحنا وبدت الغرفة كأنها استوديو مونتاج يعج في مكتب “العربية” بالمصورين والمنتجين، في وقت كانت عاملة الماكياج تعتني بوجه الرئيس، وأنا في انتظاره بلا ماكياج.

إلا أن زميلة حضرت معي إلى المقابلة أخرجت علبة ماكياج صغيرة ووضعت مسحوقا خفيفا يكاد يحمي من الإضاءة القوية، ثم جلست أنتظر الرئيس الذي تأخر 10 دقائق، استخدمناها في التأكد بأن غرفة نسميها “ام سي آر” في استديوهات “العربية” في دبي ترانا في تغطية حية.

“وقتي انتهى سيادة الرئيس”

وحين انتشرت الشرطة السرية أكثر في الغرفة، شعرنا بأن الرئيس قادم في أي لحظة، فوصل صوته قبله وقال: “مرحبا ناديا”، وتلاها بعبارة قال فيها: “وعدتك بمقابلة، وها أنا أفي بوعدي”. قلت له: “انتظرتك 9 سنوات”، فتعجب وهو في الحكم منذ 7 تقريبا، فأعدت ذاكرته إلى حين كان سيناتورا والتقيته في ولاية منيسوتا وسط شائعات بأنه ينوي خوض الانتخابات الرئاسة، فتذكر وضحك، وقال إن مدة المقابلة ستكون ١٥ دقيقة، فقلت له: “سأعتمد على كرمك سيدي الرئيس”، فقال: “إذا 16 دقيقة”، إلا أنها امتدت إلى 28 دقيقة.

وراء الرئيس كانت تقف مسؤولة تعد الدقائق، وكانت تشير لي بأن وقت المقابلة انتهى، فكررت حيلة استخدمتها مع الرئيس السابق جورج بوش حين قابلته، وهي أن أستنجد بالرئيس نفسه، لأقول له إن وقتي انتهى سيادة الرئيس، لكني أريد أن أسألك عن وضع المنطقة.

ولم أكن أرغب بإنهاء المقابلة مع الرئيس أوباما من دون التطرق إلى الأزمة السورية، لذلك تسببت مقابلتي معه بتأخره عن تسجيل الكلمة الأسبوعية التي يلقيها عادة، ثم توقف أخيرا، والتقط صورا جماعية مع فريق العمل، وهو يبتسم دائما، وبعد دقائق قليلة من نهاية التسجيل، بدأت “العربية” بث المقابلة.