مايو 2, 2024 6:40 ص
أخبار عاجلة
الرئيسية / الرأي / سُنَّة وشيعة نرضخ لحكم الشريعة

سُنَّة وشيعة نرضخ لحكم الشريعة

المتابع لكل ردود الفعل المسرحية التي جاءت عقب تنفيذ حدَّيْ الحرابة والتعزير الشرعيَّيْن في عدد من الإرهابيين والمحرضين على الفتنة، والساعين في الأرض فساداً، الصادرَيْن بموجب أحكام قضائية، مرت بجميع المراحل الشرعية القضائية المعتبرة، التي يعمل بموجبها النظام القضائي الشرعي في المملكة العربية السعودية، لا يملك إلا أن يحمد الله على أن جاء اليوم لتسقط الأقنعة عن الوجوه الكالحة التي لا همَّ لها إلا إثارة الفتن، والصيد في الماء العكر.

 

عجيب أن تثور ثائرة إيران ومؤيديها لتنفيذ حكم شرعي قضائي بحد السيف في المدان شرعاً “نمر باقر النمر”، الذي من يفترض أن يكون داعية سلام ومحبة وتآلف بين المسلمين بدلاً من امتهانه التحريض على ولاة الأمر والتعريض بهم، وتنفيذ أجندات معادية خارجية، وممن يدعون للانفصال والعبث بمقدرات الوطن.. ولم ينفك ينعق في كل خطبه داعياً للخروج في مظاهرات، والتنديد بأنظمة الحكمالسعودي القائمة على كتاب الله وسُنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -.

 

وللأسف، نجد اعتراض دولة إيران، وهي من اشتهرت بتصدير الثورة المزعومة التي تبشر بولاية الفقيه، وتقوم في أساسها على استعباد العقول وسلبها أي فرصة للتفكير من خلال تأليه طائفة من البشر على حساب جيوب وعقول البسطاء والدهماء، ممن لا يملكون من أمرهم إلا الانصياع والسير في ركب ملايين من المضللين، الذين خضعوا لأبشع عملية قرصنة فكرية يقوم بها من يسمون أنفسهم الملالي، وممن برعوا في تغييب عقول الناس باسم الدين، والدين منهم براء، ولا تتورع أن تُطلق على شوارع رئيسة في طهران أسماء الإرهابيين الدوليين، ضاربة بكل القوانين والأعراف الدولية عرض الحائط.

 

وعجيب وغريب أن تثور دولة إيران ومن لف لفها على تنفيذ حد شرعي في مذنب، شهد العالم بأسره عبر ظهوره في مقاطع مرئية من خلال شبكة المعلومات “الإنترنت” بفحش ما ينطق به وخطورته، ومع ذلك تخرج علينا هي وأتباعها بنواح وعليل وتنديد لا قيمة له مقابل الجرائم التي ارتكبها أو حرض عليها.

 

ونذكِّر إيران؛ لعل الذكرى تنفعها، بأنها تقف في صدارة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان ومصادرة هويات الشعوب.. نذكِّرها – إن نسيت – بتغييب شعب مسلم بكامله، وطمس معالم هويته العربية الحرة الأبية، ذاك هو شعب “الأحواز” الذي يقارب تعداده المليونين، بعد أن بدلت مسماه إلى”خوزستان” بكل تركيبته ومكوناته السنية العربية المسالمة، طمعاً في ثرواته الطبيعية من النفط والغاز، التي تمثل ما يفوق 86 % من الإنتاج الإيراني. وقد مارست إيران منذ عقود أقسى صنوف العذاب وطمس معالم الهوية لهذا الشعب، من خلال منع مواطني الأحواز من التحدث بلغتهم الأم (العربية)، ومنع بناء المساجد، وطمس الهوية الثقافية لهذا الشعب العريق، من خلال منع التدريس لأبنائه باللغة العربية، وفرض اللغة الفارسية في المدارس، بل وصل الأمر إلى منع تسمية المواليد بأسماء عربية!! فهل بعد كل ذلك يمكن لعاقل أن يقبل من دولة إيران أن تقدم نفسها على أنها الحمل الوديع؟ وهل احتلال جزر دولة الإمارات العربية بالقوة، والتعنت في التمسك بها، يصب في احترام علاقات الجوار والسلم الدولي الذي تنادي به جميع المواثيق والأعراف الدولية؟ وهل تعليق المعارضين على مشانق الرافعات الحديدية بدون محاكمات في مناظر تقشعر لها الأبدان هو النموذج الأمثل الذي تقدمهإيران للتعامل مع مواطنيها؟ أم أن صحوة الضمير عند إيران لا تأتي إلا موسمية، وعندما تمس أياديها الملوثة بإثارة النعرات الطائفية بين شعوب الدول الآمنة؟ أدعو العالم بأسره للنظر إلى ما آلت إليه دولة العراق بعد أن صال فيها الملالي وجالوا، ها هي الآن تحتضر بفعل إيران. وليست مراسم التأبين السنوية التي تقيمها إيرانعند الأضرحة المزعومة، والتلاعب بعقول العامة، إلا نذير بذهاب العراق إلىالمجهول.

 

والمتابع يجد أن المملكة العربية السعوديةلم تسلم من إيذاء دولة إيران بمحاولةإيران إفساد مواسم الحج بافتعال الأزمات، والزج بمن يأتي للحج محرماً؛ لكي ينفذأعمالاً تخريبية في بيت الله الحرام، وترويع الآمنين فيه. وحتى الرياضة لم تسلم من تحويلها إلى مناسبات تصفية طائفية، والشواهد على الإيذاء النفسي والبدني الذي تتعرض له منتخباتنا وأنديتنا كثيرة.. وكيف يتحول المشهد إلى معركة معلنة على السعودية وأبنائها، وللأسف برعاية وحماية أمن إيران! وكم سجلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإلكتروني العديد من المقاطع للتنكيل بمسافرين سعوديين، وتعمُّد تعطيل إنهاء إجراءات وصولهم أو مغادرتهم. ويكفي أن المسلمين السُّنة في إيران ليس لهم الحق في إقامة مساجد أو تأدية صلاة الجمعة، وكل هذه أمور موثقة، وهي معلنة للجميع. في الوقت الذي تتيح فيه جميع الدول العربية الحرية كاملة لأبناء المذهب الشيعي لممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية واطمئنان، باستثناء ما يؤدي إلىالفوضى والغوغائية.

 

وأني لأعجب أشد العجب أن يخرج علينامن أبناء القطيف – وهم مواطنون سعوديون – بعد إعلان تنفيذ حدَّيْ الحرابة والتعزير في الجناة المعلن عنهم؛ ليحتجوا أو يسيروا في مسيرات للتنديد بتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيمن يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فساداً. وكذلك ما أدلى به شقيق “نمر باقر” عبر قناة الميادين من تصريح غريب، يطالب فيه بأن تكون الاحتجاجات سلمية. وهنا أقول: بأي حق تخرجون أو تصرحون؟ ألستم مواطنين تنعمون بما ينعم به كل مواطن سعودي من حقوق؟ إذن فعليكم واجبات وطنية، عليكم أن تؤدوها، وأقلها عدم الاعتراض على أحكام الشرع، والسمع والطاعة لولاة الأمر، وهذا ما التزم به ذووا بقية مَن نُفّذ بهم حكم الشرع. وكان حرياً برجال الأمن أن يمنعوا أي نوع من هذه الاحتجاجات؛ لأن فيها رفضاً لحكم شرعي، وإثارة للفوضى بدون وجه حق.

 

وإني لأجزم بأن الكثيرين كذلك يهيبون بولاة أمرنا أن يصدروا الأوامر في هذا الشأن، بحيث تكون واضحة لكل مواطن، بالتزام الهدوء التام عندما تصدر أحكامٌ شرعية، وتُنفَّذ كما أمر الله ورسوله؛ فليس لكائن من كان أن يعترض عليها، ومن يرى في نفسه أن لا مكان له للعيش بين ظهرانينا والقبول بأحكامنا الشرعية، أو أنه لسان حال غيره، وواجهة خفية لدولة أو دول خارجية، فهو طابور خامس، لا حاجة لنا فيه؛ وعليه أن يختار بين البقاء والامتثال للشرع، أو تجريده من الجنسية السعودية والمغادرة للدولة التي يمثلها. نحن نريد من هو مواطن بقلبه وعقله وعقيدته، لا بلسانه فقط. ويكفي هذه الدولة فخراً، ومن باب الإنصاف، أن من ينتمون لمن تُطبَّق بحقه عقوبة لا يؤاخذون بجريرته، أو يُحرمون من حقوق يتمتع بها باقي أفرادالشعب، بل يستمرون في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وبدون أي تضييق. والأمثلة على ذلك شاهدة أمام الجميع؛ وهو ما يصب في مصلحة الوطن، ويعكس أرقى أنواع التسامح والتعامل الإنساني.

 

وأما إعلامنا فأقول له “ما زلتَ أبطأ مما يجب أن تكون عليه، ولم ترقَ إلى مستوى الحدث كما ينبغي لك؛ فكم كانت ليلة الأحد ثقيلة عليّ شخصياً وأنا أتابع واحدة من أشد الليالي قسوة على بلدي، من خلال حملة ظالمة، تُشنُّ من قِبل مأجورين وحاقدين، ومن قنوات فضائية تحمل الحقد على هذه البلاد وحكامها بشكل ممنهج، في الوقت الذي تفرغتْ فيه قنواتنا الفضائية المهاجرة والمحلية للحد الأدنى من الوقوف على الحدث، والاكتفاء بالتحليل المعتاد لفكر وجرائم المحكومين، وهي – رغم أهميتها قد أُشبعت تناولاً، وكان بالإمكان الخروج من هذه النمطية، والوقوف على الحدث مباشرة، وخصوصاً أن الأحداث تسارعت بشكل غير معتاد، وجرى الاعتداء على مبنيَيْ السفارة والقنصلية السعوديتَيْن في إيران ومشهد؛ فكان حرياً بالإعلام التركيز على هذين الحدثين، واستضافة المحللين والسياسيين المعتدلين حتى من الشيعة؛ لوضع النقاط على الحروف”.

 

وفي هذا الخصوص، على إعلامنا أن يعد نفسه؛ لكي يكون جاهزاً للتعامل مع حدث بهذا الحجم، وهذا لا يأتي بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى ممارسة وتكوين خبرة كافية لممارسة دور إعلامي بهذا الحجم؛ فلا بد أن يكون لقنواتنا الإخبارية برامج ثابتة، وطواقم مؤهلة، وذات باع طويل في الإعلام والسياسة من حيث الإعداد لمثل هذه البرامج، واختيار الضيوف القادرين على إثراء المحاور، وإضافة رصيد معرفي تراكمي جديد للمشاهد، ومن ثم حرفيةإدارة مثل هذه الندوات على الهواء، وتوزيع الوقت على المحاور بشكل مناظرات وحوارات، تعرض الرأي والرأي الآخر؛ حتى لا نظهر وكأننا نخاطب أنفسنا. والحرفية تظهر هنا من حيث تفنيد الاتهامات، وقرع الحجة بالحجة. ولله الحمد موقفنا واضح وجلي، ولا يزايد عليه إلا من عمت بصيرته، ومع ذلك علينا أن نتيح له الفرصة لكي نخرسه، ونقيم عليه الحجة. وهذا الدور – وللأسف – لم يستطع أن يضطلع بهإعلامنا المسموع والمرئي إلى الآن بشكل مهني.

 

وعلى الجانب الآخر، يصرُّ الإعلام المهاجر المسموع منه والمرئي على التغريد خارج السرب، وفي أحلك الظروف. وأسوق لكم – على سبيل المثال لا للحصر – نموذجاً لهذا الإعلام، يمثل السقوط بمعناه الحقيقي: ففي ليلة الأحد السابق ذكرها، وأثناء تنقلي بين القنوات، استقر بي المؤشر على برنامج الإعلامية بدرية البشر الأسبوعي، وإذا بها تسجِّل حضورها في هذا اليوم من خلال وصفالسعودية مع دول أخرى بأنها حرمت مواطنيها من الفرح بليلة رأس السنة!! نعم، بهذا الوصف. وللأمانة، لم أستغرب بقدر ما تألمت؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، رغم أن البرنامج يقدَّم على أنه حواري، ويتلمس حاجات وقضايا المجتمع، وإذا به فجأة يجدف في ما لا نفع فيه أو هدف. وللأسف، إن باقي القنوات المهاجرة استمرت في عرض برامجها حسب الجدول المعد لها، بدون تفاعل مع الموقف المستجد، وتعرُّض السعودية لهجمة شرسة وحملة إعلامية ممنهجة. فالموقف يستدعي التعبئة الإعلامية في أعلى مستوياتها، وهذا يتطلب الوقوف صفاً واحداً ضد ما يسيء لبلاد الحرمين، والرد عليه يما يستحق، ومواجهته إعلامياً على جميع الأصعدة، وبذلك نهزمه، وندحض كيده بإذن الله. فأين ذهبت الأصوات التي يجب أن تخرج وتملأ الأرض بالحقائق، وتواكب حدثاً مثل هذا، انتهى بالاعتداء السافر على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، وربما بعلم ومباركة من أصحاب القرار في إيران؟ فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن يهاجَم مبنى سفارة دولة لها من الحماية قوات تحرسها بهذه السهولة، ولا يأتي التشديد على إعلان الحكومة الإيرانية بمسؤوليتها عن حماية السفارة وضرورة عدم المساس بها إلا في اليوم الثاني، ومن ثم تصدر التهديدات من مؤسسة الجيش في إيران، متزامنة مع تهديد أصحاب القرار في إيران، بالانتقاموما تبع ذلك من صراخ وعويل حزب الله نتيجة الألم والشعور باليأس وفقدان الوعي نتيجة انعدام التوازن، وعدم الامتثال لشرع الله. ولكن لم يتأخر الرد كثيراً من حكومة المملكة العربية السعودية؛ فجاء خبر قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ومنع السفر، مع دولة إيران؛ليضع حداً لهذه التصرفات الرعناء، ويضع النقاط على الحروف، وليقول للعالم “آن لدولة إيران أن تتوقف عن إذكاء الفتن وإشعال نيرانها بحجة الوصاية على أبناءالمذهب الشيعي، وهم منها براء؛ لأن الجميع يعرف أن المذهب الشيعي شيء، وولاية الفقيه الصفوية أمرٌ آخر؛ فلا داعي لخلط الأوراق”.

 

وأختم لأذكِّر بأنه يؤلمنا أن تقف بعض الدول – وخصوصاً العربية – في صف إيران، بعد أن استطاعت الأخيرة التغلغل في مجتمعاتها، والتأثير على بعض أبنائها؛ وهذا يستدعي وقفة جادة من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؛ لوضع الأمور في نصابها؛ فلا يستقيم أن تتصرف دولة بعكس ما تؤمن به؛ هذا هو النفاق بعينه؛ ولا بد من وقفة صدق ومصارحة مع الجميع؛ (فلن يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدم).

 

وأنا أعلم وأنا اليوم أكتب في هذا الموضوع أن النفاق الدولي كان له النصيب الأكبرمن تسجيل بعض المواقف المخجلة من تطبيق حدود الشرع الإسلامي، وهذا أمرليس بمستغرب في لعبة المصالح الدولية، وإن كنا غير معنيين به؛ فهذا ديننا، وهذه تعاليمه، ونحن نؤمن بها، ونطبِّقها قولاً وعملاً وتعبداً لله. والمملكة العربية السعودية لا يضيرها من ينعق من هنا وهناك؛ فهي قوية بالله قبل كل شيء، ومن ثم بعزيمة أبنائها وثباتهم وتأييدهملكل الخطوات التي يتخذها ولاة أمرهم.. فهم من جرب هذه القيادة عبر السنين، ولم يجدوها إلا ثابتة على الحق، ومستمدة عونها من الله بتطبيق تعاليم الإسلامشِرعة ومنهاجاً قويماً؛ ولذلك كانتالسعودية – وستظل – رائدة للتضامنالإسلامي في كل أرجاء الدنيا، لا تكل ولا تمل؛ فهذه رسالتها على مر الزمان، جاءت من رب العزة والجلال مدوية في أرجاء المعمورة  {… وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّالْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون – الآية 8). والله من وراء القصد.

شاهد أيضاً

كيف ستنعكس زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا على التبادل التجاري والعسكري؟

شدد خبير أمني ومحلل سياسي على أهمية زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى …