في السابق كان موظف الدائرة الحكومية لا يفصله عن تملّك منزل العمر إلا إرادته، وكانت حينها البنوك تُقرض المواطن مع ضمان البيت، أما اليوم فقد أصبح أبناؤنا لا يرون منزلهم إلا في «أحلام اليقظة». هذا الأمر هو نتيجة قرارات مؤسسة النقد، التي تفرض على البنوك، وشركات التمويل أن يدفع المقترض 30 % من قيمة التمويل العقاري، وبالتالي نتج عن ذلك عزوف شبابنا عن الزواج، لأن السواد الأعظم منهم يفضلون المنزل قبل الزوجة، ناهيك عن الكساد العقاري، حيث عزف كثيرٌ من المطورين العقاريين عن إطلاق مشاريعهم الاستثمارية، لثقتهم في أن القرار لا يصبُّ في مصلحة المواطن المستهدف من هذه المشاريع. ومنذ صدور هذا القرار بتاريخ 9 نوفمبر 2014 م، حتى الآن، لم نشاهد تغييراً يذكر في أسعار الوحدات السكنية، في حين شاهدنا إجحافاً بحق المواطن، الذي ربما يقترض من جهة أخرى كي يقوم بسداد الدفعة المقدمة، ما يُدخل المواطن في دوامة الديون التي لا تنتهي.
في بعض الدول الفقيرة مثل: الفلبين، وفيتنام، وغيرهما، تتسلم مفتاح المنزل بعد دفع القسط الأول، الذي لا يتجاوز 1000 ريال، ودون دفعات مقدمة. أما نحن، فإن أقل منزل صالح للسكن ثمنه مليون ريال، وعليك دفع 300 ألف ريال «دفعة أولى»، حسب نظام مؤسستنا الموقّرة. وهنا أتساءل: كيف لشاب يعتمد على راتبه الشهري، ومسؤول عن أسرة كاملة، أن يدفع هذا المبلغ الكبير كدفعة أولى للحصول على منزل له ولعائلته؟!
مع الأسف، هذا النظام المعمول به حالياً قد عطَّل ثلاثة مقومات اقتصادية، واجتماعية، نحن في حاجة إليها، الأول: حرمان الشاب من الحصول على المنزل، وتكوين أسرة. والثاني: ضرب اقتصادنا العقاري في العمق، فلم نشاهد الأسعار وقد انخفضت، كما أرادت مؤسسة النقد، بل بالعكس تماماً، مازال التكدس موجوداً، والأسعار ارتفعت أكثر من 20 % منذ صدور هذا القرار. والثالث: «إحباط» مشاريع البنوك المحلية، سواء من حيث الفوائد، أو حتى المشاريع المستقبلية للإسكان، وبالتالي أصبح المواطن الضحيةَ، والأكثر تضرراً، ولم يجد ضالته في وزارة الإسكان، ولم يجدها أيضاً في البنوك، بسبب قرار تعجيزي لا يصبُّ في مصلحة أيٍّ من الطرفين سواء البائع، أو المشتري.