يوليو 27, 2024 8:46 ص
أخبار عاجلة
الرئيسية / الرأي / كرتوني ما حد ياخذه!

كرتوني ما حد ياخذه!

د. أحلام محمد علاقي
لدينا نحن العرب عادات جميلة وغيرها مما يمكن تحسينه. ولدى الغرب أيضا عادات يمكن تحسينها وأخرى جميلة. ومن واجب الإنسان الحكيم أن ينظر حوله ويتعلم ويأخذ من كل ثقافة أفضل ما فيها مما ينفعه ويناسب مرجعياته.

وإحدى أجمل العادات التي يتعلمها الكثير من إخواننا العرب عندما يعيشون في الخارج في مجتمعات تلتزم سياسة الاقتصاد هي عادة عدم الإسراف وتعلم الاستفادة من أبسط الأشياء وعدم تفعيل ثقافة «الرمي» التي يمارسها بعض إخوتنا العرب هداهم الله.

فنرى في الكثير من الدول الأوروبية أكياس المهملات بحجم صغير جدا وطبعا بالإضافة لوجود إعادة تصنيع المنتجات كالزجاجية والبلاستيكية منها فإن كمية المهملات الملقاة صغيرة جدا، بل وتفرض بعض الدول الأوروبية على سكانها شراء أكياس مهملات مخصوصة مرتفعة الثمن نسبيا بأحجام صغيرة ويمنع رمي أي مهملات في غيرها وفيها غرامة مشددة وذلك لتقنين المهملات. بينما نحن بسم الله ما شاء الله تتجمع لدينا يوميا كميات مهملات مهولة. وعندما حاولت تحليل الموضوع ظهر لي بأننا نظرا لعشقنا للطعام وتبني ثقافة الكرم بطهي كميات عملاقة من الطعام فإن مشترياتنا من المواد الغذائية كبيرة وكثير من الأحيان يحدث هدر حينما نشتري أكثر مما نحتاجه فنحن نشتري الخضار والفواكه أحيانا بالصناديق ولا نستخدمها كلها وهذا حرام.

ولذلك قررت أن أبدأ بنفسي وتوصلت لحل بسيط لهذه المشكلة وهو أن أحدد سلفا قبل الذهاب إلى السوبر ماركت الوجبات التي سوف أقوم بطهيها طوال الأسبوع وتدوين مكوناتها والالتزام بشراء ذلك فقط لا غير. وربما أجد عند زيارتي للسوبرماركت خضارا شهية طازجة فأشتريها وأحذف واحدة من الوجبات الأخرى لكيلا يحدث هدر، ولو وجدت ما يباع جملة فأتقاسمه مع من يحتاج.

ورمي الطعام منهي عنه في كل الديانات السماوية. وهناك طرق كثيرة للاستفادة من بقايا الأطعمة المختلفة وتقديمها بطريقة جديدة وشهية وذات نكهة ممتازة. وهذا شيء جميل ونحن الحمد لله في منزلنا نقوم به. ولو بقي شيء بسيط نحاول الاستفادة منه فالخبز الجاف نفتته للعصافير ونضع معه بعض الماء وبذلك لا يرمى ويكون فيه فائدة لأحد المخلوقات.

وبالإضافة للإسراف في المأكولات فالثقافة العربية تميل للإسراف في جوانب أخرى مثل الملابس والعطورات وغيرها. أتذكر ذات مرة أنني زرت إحدى الصديقات في إحدى الدول الأوروبية وهي من عائلة ثرية وتعيش في منزل جميل وما شاء الله لا ينقصها شيء ولكنني عندما دخلت حجرتها وجدت لديها ثلاثة عطور فقط. قالت لي أنا أشتري عطرا خفيفا جدا للصباح والخروج البسيط وعطرا مركزا مسائيا واحدا لا أشتري غيره إلا حينما ينتهي وعطرا متوسطا أستخدمه للمناسبات الاجتماعية ولا أحب التجميع والازدحام. وخزانة ملابسها صغيرة وفيها ملابس ذات نوعية جيدة ولكنها قليلة ولكنها تحب الأحذية والشنط فلديها منها عدد كبير ومع ذلك لا يقارن بما يفعله البعض هدانا الله جميعا. وأثاث بيتها جميل ولكنه عتيق وقالت لي بأن معظمه متوارث من عائلتها. وتذكرت كيف أننا نهوى تغيير الأثاث وبعضنا يجدد مثلا مطبخه ومواعينه كل عيد، ولا أنسى صديقة لي خفيفة الدم من بلد عربي شقيق سألتني مرة «إنتوا بتعملوا إيه في المواعين، بتاكلوها؟»..

وأتذكر في هذا المجال مرة كانت لدي صديقة خليجية تدرس في بريطانيا وكانت نشطة في شراء الألعاب لأطفالها وكل مرة أذهب لبيتها أجد الأكياس والكراتين وعلب المشتريات. وذات يوم وبينما أنا لديها، دق باب منزلها ففتحت ووجدت جارتها البريطانية. سألتها الجارة هل هذا الكرتون الملقى عند الباب لك؟ وهل تسمحين لي بأخذه؟ وهو كبير الحجم جدا كحجم كراتين التلفزيونات الضخمة. قالت لها صديقتي طبعا يمكنك أخذه فلا أحتاجه. وبعد فترة ذهبت لصديقتي وإذا بجارتها واقفة عند الباب فطلبت منا الدخول لترينا شيئا، دخلنا فرأينا الكرتون وقد تحول إلى كوخ صغير للعب للأطفال وقد فتحت فيه نافذة وصنعت له بابا وغلفته بالورق اللاصق وزينته فأصبح جميلا جدا. صدمت صديقتي وحينما خرجنا قالت لي بلهجتها الخليجية الظريفة: «كرتوني المقطوط!، شفتي وشصار بكرتوني المقطوط؟» .. ضحكنا كثيرا يومها وأخذنا عهدا ألا نرمي شيئا قبل أن نحاول التفكير إذا ما سيكون مفيدا لنا، ولو كان كرتونا مقطوطا!..

شاهد أيضاً

كيف ستنعكس زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا على التبادل التجاري والعسكري؟

شدد خبير أمني ومحلل سياسي على أهمية زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى …