جمعان الكرت
حمل إلينا الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار قبل أيام قلائل بشرى سارة، تتمثل في التوجيه الكريم من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله – بضخ خمسة مليارات لصالح مشاريع الهيئة السياحية والأثرية، مما نتوقع أن يحدث بمشيئة الله نقلة نوعية وكمية في مجال توفير المشاريع الحيوية التي تخدم السياحة، ولو تتبعنا خطوات الهيئة في الفترة الماضية نجد أنها حثيثة، وقد ركزت على التخطيط بالدرجة الأولى، وتوفير الدراسات مع الدعم بحسب إمكاناتها، وقد حققت نجاحا ملحوظا، إلا أنه لا يتناسب وطموح القائمين على الهيئة، مما يجعلنا نتفاءل كثيرا في كون القادم يحمل في ثناياه أشياء أجمل، سيما وأن قيادتنا الحكيمة تدرك أهمية السياحة بوصفها صناعة تُسهم في رفع الدخل القومي لأي بلد تُعنى بها، وتوليها جل اهتمامها من حيث التنظيم والتخطيط والإغداق، وبحسب الخريطة السياحية العالمية نجد بلدانا كثيرة تعتمد على مورد السياحة بما يعادل، وربما يزيد أحيانا عن الدخول التي تجيء نتاج موارد معدنية أو صناعية، ومن بين الطموحات الاستفادة من المباني التراثية في الإيواء والضيافة كفنادق تراثية، ومثل هذه المشاريع ليست بجديدة على الساحة السياحية العالمية، فهناك من الدول العربية والأجنبية وظفت هذه القيمة فيما يخدم السياحة بشكل عام، بعملية التحسين دون التدخل في الشكل الأساسي للمباني والاحتفاظ بالهوية العمرانية، ووجدت إقبالا من السائحين الذين يهمهم كشف جماليات الإرث الانساني واستحثاث مكنونات الروح بالتعلق بجماليات الماضي، ومن المواقع التي وددت طرحها على الهيئة وهي جديرة ومهيأة لهذا الغرض قرية «ذي عين» الأثرية، على شريطة الإسراع في ترميم أكبر قدر من منازلها، وحين تُقدم الباحة موقعا بمستوى قرية «ذي عين» فإن ذلك يزيد من رصيدها السياحي لعدة اعتبارات:
أولا: «ذي عين» قرية تراثية مكتملة العناصر، وهي متفردة لعدم تدخل وسائل التطوير الحديثة، حيث احتفظت برونقها القديم، وتشكيلات مبانيها الحجرية.
ثانيا: سهولة الوصول إليها عن طريق عقبة الباحة، أو الطريق القادم من مدينة المخواة.
ثالثاً: الإطلالة البهية للقرية على حديقة من أشجار الموز والكاذي.
رابعا: استمرارية إرواء المزارع من مياه العين المتدفقة على مدار العام، التي كانت سبباً في إطلاق المسمى على القرية.
خامساً: مبادرة الهيئة العليا للسياحة والآثار في عمليات الترميم والتحسين للطريق المؤدي إليها، وكذلك المسجد، وعدد من المنازل، مما أعطى ذلك التحسين بُعداً جمالياً متناغماً مع الشكل الأصلي للقرية.
وزيادة على ذلك من المأمول أن تصبح قرية «ذي عين» فندقا تراثيا متميزا تساعد في استقطاب كثير من السائحين وفي جميع فصول العام.
والباحة مليئة بالمواقع التراثية، التي سيتتابع استثمارها كقصر بالرقوش الأثري، وقرية الأطاولة التراثية، وغيرها كسوق الأحد برغدان، التي تحتاج إلى تضافر الجهود، وبذل الأموال من أجل استثمارها فيما يخدم هذا الغرض.
ومثلما تتميز منطقة الباحة بوجود مواقع تراثية، فهي أيضا مليئة بالمواقع الأثرية التي تعود لأزمنة قديمة جداً ومن بينها طريق القوافل القديمة، التي سُميت فيما بعد بدرب الفيل، حيث ما زالت الطرق مرصوفة بالأحجار في شرق المنطقة، وكذلك وجود قريتي الخلف والخليف في القطاع التهامي، حيث تشير النقوش الشاهدية التي وُجدت على مقابر القريتين إلى بداية حضارتهما في منتصف القرن الثالث الهجري، وقال عنهما الدكتور أحمد الزيلعي أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود : ولا أدل على ذلك من تلك النماذج الخطية الرائعة التي عثر عليها منقوشة على أحجارها، وتلك المنشآت المعمارية الجميلة المعتنى ببنائها وتصميمها، فلقد ظل بعضها شاخصًا وقائمًا حتى الآن ليشهد عليه من سعة في العيش، ووفرة في الرزق ودقة في التصميم ومقدرة في التنفيذ، وتجويد في الخط، ومهارة في الزخرفة، ورقي في مستوى التعليم والمعرفة فضلا عن كثير من النقوش والمخطوطات القديمة، تكشف عن صفحات تاريخية تحتاج إلى متخصصين لفك غموض تلك الرموز والكتابات والنقوش الموغلة في القدم.
ويأتي دور الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع المؤسسات والشركات ذات الأنشطة السياحية والسفرية في تنظيم رحلات لاستنطاق التاريخ القديم.
خلاصة القول إن السياحة صناعة بكل ما تعنيه من دلالات، وقبل أن تكون كذلك لابد من وجود المقومات الأساسية لنجاحها، والباحة بما وهبها الله من مناخ آسر وطبيعة خلابة، وكم من المواقع السياحية والتراثية والأثرية جديرة بأن تكون في مقدمة المناطق السياحية.