يوليو 27, 2024 12:56 م
أخبار عاجلة
الرئيسية / الاقتصاد / «التحوّل الوطني».. احترافية وجرأة في مواجهة التحديات

«التحوّل الوطني».. احترافية وجرأة في مواجهة التحديات

إقراره ضمان قوي لتحقيق «رؤية 2030»

«التحوّل الوطني».. احترافية وجرأة في مواجهة التحديات

«التحوّل الوطني».. احترافية وجرأة في مواجهة التحديات

في تقديري، لم تكن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت مساء الإثنين الماضي -أول أيام رمضان المبارك- جلسة عادية، بل كانت استثنائية بكل المقاييس، ما جعلها كذلك هو أنها الجلسة التي تم خلالها إقرار برنامج التحول الوطني في شكله النهائي، بعد أن أصبح البرنامج أحد أهم المنعطفات التي تعوِّل عليها بلادنا للتعامل باحترافية عالية وجرأة استثنائية مع الكثير من عوائق التنمية وتحديات الاقتصاد في المملكة؛ عقب عقود من التسويف، وتكمن أهمية تفاصيل البرنامج باعتباره أحد المرتكزات الأساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030 التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وصادق عليها مجلس الوزراء في جلسة سابقة. ورغم أن برنامج التحول الوطني يهدف في الأساس لإصلاح الاختلالات الهيكلية العميقة في اقتصادنا عبر تطوير العمل الحكومي، والنهوض بالبنية التحتية في البلاد، إلا أن تحقيق البرنامج لأهدافه سيعتمد إلى حد كبير على مدى نجاحنا في تنفيذ منظومة من المبادرات غير المسبوقة؛ يبلغ عددها 534 مبادرة، وهي مبادرات طالما تطلّع إلى تحقيقها أو نادى بها وتحدث عن ضرورة تطوير مثلها، الكثير من الاقتصاديين والمختصين والمفكرين طوال العقود الأربعة الماضية؛ بدون أن يجدوا آذانا صاغية، ولعل الأهم من ذلك هو أن هناك 24 جهة حكومية ستنفض عنها غبار الكسل، وتضطلع بتنفيذ تلك المبادرات بدءا من العام الحالي، قبل أن تنضم إليها جهات إضافية في الأعوام القادمة.

أهداف إستراتيجية:

واللافت في مبادرات التحول الوطني هو تنوعها أولا، ثم الميزانية (الحكومية) الكبيرة المخصصة لها والبالغة نحو 270 مليار ريال، خلال السنوات الخمس القادمة أو ما يعادل 54 مليار ريال سنويا، وهو مبلغ لا يستهان به خصوصا في ظل تراجع دخل البترول، إلا أن المبلغ هو بمثابة استثمار جيد وسيكون له مردوده العالي؛ لو أحسنّا إدارته، كما سيساعد على تحقيق ذلك، قيامنا بمراجعة مبادرات بالبرنامج وتقييم أدائها دورياً. والبرنامج كما هو معلوم يهدف إلى تحقيق أهداف إستراتيجية في مقدمتها:

1- تنويع مصادر الدخل غير النفطي: وهو المطلب المؤجل تنفيذه منذ السبعينات.

2- رفع كفاءة الإنفاق وتحقيق التوازن المالي: الذي لم يتم الالتزام بتحقيقه على مدى ٩ خطط خمسية سابقة.

3- تعزيز العمل المشترك بين الجهات الحكومية: التي أخفق الكثير منها في تحقيق الحد الأدنى منه.

4- توفير 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية بحلول عام 2020: الأمر الذي سيخفف من وقع البطالة على مئات الآلاف من أبنائنا الذين يعانون في الحصول على فرص عمل جيدة.

5- تطوير الأداء الحكومي المترهل واستكمال البنية التحتية: بعد أن أصبح تعثُّر المشاريع أو تأخرها، هو السمة الأبرز في تنفيذ المشروعات الحكومية؛ في السنوات الأخيرة.

6- تعميق الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير 40 % من الإنفاق على المبادرات: يأتي ذلك بعد أن استمرأ هذا القطاع الاعتماد على العباءة الحكومية وتخاذلت الكثير من مؤسساته عن القيام بدورها الوطني.

7- تعظيم المحتوى المحلي عبر توطين 270 مليار ريال من المنتجات والخدمات.

آلية التنفيذ:

ومن أهم ما استوقفني -كمراقب- في برنامج التحول الوطني هو آلية العمل التنفيذية الفريدة، التي تميزت بنهج علمي شفاف؛ سبق أن كتبت عن تصوري بشأنه في مقال منشور في «عكاظ» قبل أسابيع بعنوان (ما ينتظره السعوديون)، كما طالب بذلك عدد من الكتاب، ويبدو أن القائمين على البرنامج كانوا عاكفين على إعداد آلية تنفيذ البرنامج ونطاق حوكمته منذ وقت مبكر؛ وهو ما يفسر السرعة والجدية والالتزام في الإعلان عنهما في وقت قصير، كما يُعدُّ مؤشراً على الرغبة القوية في إنجاز البرنامج وفق الجدول الزمني المعلن، الأمر الذي سيعزز إلى حد كبير من فرص نجاح البرنامج؛ الذي تقوم آلية تنفيذه على وضع أهداف إستراتيجية ترتبط بدورها بمستهدفات مرحلية؛ يتم ترجمتها لأهداف تنفيذية على أن تلحقها برامج أخرى سنوية.

وترتكز آلية التنفيذ على خمسة محاور مترابطة ومتتالية تشمل:

1- حصر التحديات.

2- تطوير مبادرات داعمة سنويا.

3- تطوير الخطط التنفيذية.

4- تعزيز الشفافية.

5- المراجعة والتحسين المستمر.

أبرز المفاجآت:

وأعتقد أن برنامج التحول الوطني لم يخلُ من مفاجأت سارة عديدة؛ هي بمثابة التزامات ينبغي الالتزام بها، من أبرزها في تقديري ما يلي:

أ)- زيادة نسبة عمل المرأة في القطاع الخاص من 23 إلى 28 % على مدار 5 أعوام، وهذا يعادل زيادة نسبتها 1% سنويا على عدد القوى العاملة النسائية، وهو ما يعتبر استجابة معقولة وموضوعية للتعامل مع تفاقم بطالة النساء، ومحدودية فرص عملهن التي جعلت غالبية المسجلين في برنامج حافز هم من السيدات والفتيات، أما الملفت في هذا الصدد فهو تخصيص 2.8 مليار ريال لتوفير وسائل نقل للنساء العاملات بأسعار مناسبة، ولعل هذا قد يفسر بعضا من أسباب الصفقة الهامة التي أبرمها مؤخرا صندوق الاستثمارات العامة باستحواذه على ما نسبته 5% من شركة أوبر الأمريكية.

ب)- التوسع في تدريب العمالة السعودية والتسريع في إحلال الوظائف، وهو ما ينطوي على مغزى مهم تجاه زيادة إحلال السعوديين، والحد من الاستقدام؛ خصوصا في التخصصات الفنية والمهنية التي كانت سببا في وصول عدد العمالة الوافدة لما يناهز 10 ملايين عامل.

ج)- خصخصة العديد من الخدمات والمشاريع بهدف معالجة النقص الملحوظ فيها بعد الارتقاء بمستوى خدماتها، وزيادة تنافسيتها، ومنها القطاع الصحي والطيران والتحلية والتعليم.

الفرص والتحديات:

وبطبيعة الحال فإن برنامج التحول الوطني قد يواجه العديد من التحديات التي يمكن التغلب عليها بالمزيد من المتابعة والرقابة والمحاسبة، ومن أهمها:

– زيادة حجم الأصول غير النفطية إلى 5 ترليونات ريال بحلول 2020: وفي تقديري فإن مصدر التمويل الأساسي لتحقيق ذلك هو عبر تخصيص 5 % من أرامكو، حيث سيوفر ذلك سيولة ضخمة تسمح بزيادة الأصول غير النفطية. – رفع مساهمة الطاقة المتجددة بواقع 3450 ميجاوات من مزيج الطاقة: ويكمن التحدي هنا في عدم استنزاف المزيد من الوقود النفطي لزيادة الطاقة المولدة، ولكن هذا سيتطلب الالتفات سريعا لتوظيف المزايا النسبية للمملكة في مجال الطاقة الشمسية التي تم إهمالها طويلا؛ رغم تجربتنا المبكرة فيها قبل نحو 40 عاما في قرية العيينة قرب الرياض، إضافة لتطوير التقنية المستخدمة في المحطات (التقليدية) لتحلية المياه وتوليد الكهرباء.

– خلق 450 ألف وظيفة: الأمر الذي يعني ضرورة رفع مشاركة القطاع الخاص في توفير المزيد من فرص العمل، خصوصا بعد التوسع في برنامج تخصيص بعض القطاعات.

– خفض نسبة المشاريع المتأخرة إلى 40 % من 70% بحلول 2020: حيث لا يمكن تحقيق هذا الهدف في معزل عن التنفيذ الصحيح لنطاق حوكمة برنامج التحول الوطني، هذا فضلا عن أن الحد من تأخر المشاريع سيؤدي تلقائياً إلى زيادة كفاءة الإنفاق، فضلا عن تلبية مطالب ورغبات المواطنين في الحصول على الخدمات والمرافق الأساسية بشكل أسرع.

– زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 530 مليارا من 163.5 مليار ريال في 2015: وهذا تأكيد قوي على جدية التوجه نحو الاستثمار غير النفطي.

– خفض الإنفاق العام على الرواتب إلى 456 مليار ريال من 480 مليار ريال: وهنا يبدو أن مجرد زيادة كفاءة العالمين والتخلص من غير المنتجين منهم يمكن أن يحقق خفضا أكثر من المعلن عنه، فضلا عن أن زيادة مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ بعض المهام الحكومية سوف يقلص من عدد موظفي الحكومة وبالتالي سيساهم في خفض هذا البند.

– تحقيق التوازن في الميزانية بحلول 2020: حيث يعتبر هذا التحدي هو أحد أهم التحديات بالنظر لأمرين، أولهما هو عدم الالتزام (التاريخي) ببنود الميزانية، وثانيهما هو التضخم الهائل على بند الرواتب واستحواذه على النسبة الأكبر من الإيرادات الحكومية، وما يفاقم من ذلك هو صعوبة تخفيض أجور الموظفين (الحاليين) لدى الحكومة لأن من شأن ذلك الإخلال بحقوقهم المكتسبة.

– بلوغ الدين العام إلى الناتج المحلي إلى 30 % في 2020 ارتفاعا من 7.7 %: ويكمن التحدي هنا في ضرورة المحافظة على النسبة المعلن عنها، لأن تجاوزها سيزيد من أعباء خدمة الدين، ويؤثر سلبا على السيولة المتاحة، كما ينبغي إعطاء الأولوية للدين المحلي والتوسع في إصدار الصكوك.

– المحافظة على إنتاج 12.5 مليون برميل يوميا حتى 2020: والتحدي الأبرز في هذا الهدف هو كيفية التقليل سنويا من حجم الاستهلاك المحلي من البترول والذي يتجاوز حاليا 3.5 مليون يوميا، وتوجيه الكمية التي يتم تخفيضها منه للتصدير أو للصناعات البيتروكيماوية.

– زيادة الصادرات غير النفطية إلى 330 مليار ريال من 185 مليارا: وهذا سيتطلب زيادة القيمة المضافة للعديد من الصناعات والخدمات الحالية، وتفعيل مصادر الدخل الناتجة عن القطاعات الاقتصادية التي كانت مهمشة وفي مقدمتها السياحة والتعدين وبعض الخدمات.

– خفض دعم الماء والكهرباء بـ 200 مليار ريال: وهو ما بدأت الحكومة بتطبيقه أخيرا بإعادة هيكلة الدعم، إلا أن التحدي الأكبر هنا هو في سرعة إطلاق برنامج الدعم المالي لأصحاب الدخل المحدود وبعض شرائح الطبقة الوسطى، الذين سيكونون أكثر من يتأثر بهيكلة المرافق الرئيسية، وفي مقدمتها المياه والكهرباء؛ في بلد يتجاوز متوسط درجة الحرارة في معظم مناطقه 35 درجة مؤية؛ خلال معظم أشهر العام.

شاهد أيضاً

ارتفاع أسعار النفط.. وبرميل «برنت» بـ72.4 دولارًا

ارتفاع أسعار النفط.. وبرميل «برنت» بـ72.4 دولارًا    ارتفعت العقود الآجلة لخام «برنت»، اليوم الأربعاء، …