مهين للبنان واللبنانيين ولكلّ عربي يمتلك حدًّا أدنى من الوفاء والكرامة أن ينقل التلفزيون الرسمي حديثًا للأمين العام لـ»حزب الله» الهدف منه، بين أهداف أخرى، شنّ حملة على المملكة العربية السعودية. سقط «تلفزيون لبنان»، لكنّ لبنان لم يسقط بعد.

حشر «تلفزيون لبنان» نفسه في شأن لا دخل له فيه. نقل حديثًا كان يجريه السيّد حسن نصرالله مع «الإخبارية السورية» وهي محطة تابعة للنظام السوري. أخطأ مرتين وليس مرّة واحدة، عندما قبل أن يُستخدم في تصفية حسابات إيرانية مع السعودية وعندما قبل أن يكون نسخة طبق الأصل عن محطة من محطات النظام السوري.

معروف أن الأمين العام لـ»حزب الله» مضطر للحديث إلى مثل هذه المحطة السورية. ثمّة حاجة إيرانية إلى تخفيف الاحتقان الداخلي، في أوساط النظام تحديداً، خصوصاً بعدما بدأ الضباط السوريون يشكون من الهيمنة الإيرانية على البلد. إنّها هيمنة عسكرية وسياسية في الوقت ذاته تشمل كلّ القرارات المرتبطة بمستقبل سوريا والقرارات الكبيرة التي صارت تتخذ في طهران وليس في دمشق.

لعلّ أفضل تعبير عن هذا الواقع ما حلّ باللواء رستم غزالة، بكلّ سفالته، الذي كان على رأس أحد الأجهزة الأمنية (الأمن السياسي) والذي لم يدرك أنّه كان عليه تسليم قصره في قرفا القريبة من درعا لـ»الحرس الثوري» بدل نسفه وتوثيق عملية النسف وإنزالها في «يو تيوب».

أكّدت إيران مرّة أخرى، وبما لا يدع مجالاً لأيّ شك أنّها تعتبر لبنان جزءاً لا يتجزّأ من المحور الممتد من طهران إلى مارون الراس في أقصى جنوب لبنان.

لم يكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه «حادثاً« كما يقول حسن نصرالله عادة، وكما عاد وردّد في المقابلة الأخيرة التي نقلها «تلفزيون لبنان». كانت الجريمة، نقطة تحوّل في عملية وضع اليد على لبنان. كانت الجريمة خطوة على طريق تفريغ لبنان من العرب وضرب الاقتصاد… تمهيدًا لإغراقه بلبنانيين عاطلين عن العمل يأتون من دول الخليج.

لم يحدث شيء بالصدفة في لبنان، بما في ذلك خروج الجيش السوري ليحلّ مكانه «حزب الله» الذي سارع إلى ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب السوري؟

هل صدفة أن «حزب الله» لم يكن مهتمّاً بدخول الحكومة اللبنانية بشكل مباشر في عهد الوصاية السورية؟ لم يعد مصرًّا على الوجود المباشر في الحكومة إلّا بعد اغتيال رفيق الحريري. أراد التأكيد صراحة أن الوصاية ما زالت قائمة، لكنّ انتقالًا حصل من السوري إلى الإيراني ليس إلّا؟

لم تكن حكومة «حزب الله» برئاسة شخصيّة سنّية من طرابلس، هي النائب نجيب ميقاتي، سوى فصل بارز ومفصلي في هذا الانقلاب الكبير. ففي عهد هذه الحكومة التي فرضتها قوّة السلاح غير الشرعي، بدأ السكوت الرسمي عن التهديدات الموجّهة لكلّ خليجي يزور لبنان. لم تتّخذ حكومة «حزب الله» أيّ موقف حازم من «الجناح العسكري» في هذه العائلة أو تلك. وفي عهد تلك الحكومة رُفعت التأشيرة بالنسبة إلى الإيرانيين الراغبين في المجيء إلى لبنان…

انتقلت إيران في سياستها اللبنانية التي تنفّذ عبر ميليشيا مذهبية مسلّحة إلى مرحلة جديدة. إنّها مرحلة جعل اللبناني المقيم في دول الخليج، على رأسها السعودية، مهدّداً بلقمة عيشه. الأمل كبير في تفادي دول الخليج الردّ على ما يصدر عن حسن نصرالله. فأيّ إبعاد لأي لبناني عامل في الخليج هو بمثابة سقوط في الفخّ الإيراني.

كان ما فعله «تلفزيون لبنان» سقطة. كان سقطة كبيرة. ربّما استخدمه «حزب الله» للردّ على الموقف الرسمي اللبناني الذي عبّر عنه الرئيس تمام سلام في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ. بالطبع، كان موقف رئيس مجلس الوزراء اللبناني تعبيراً عن أنّ لبنان ما زال، إلى إشعار آخر، دولة تحترم نفسها وعضواً مؤسساً في جامعة الدول العربية.

قبل عشر سنوات، استشهد رفيق الحريري. استشهد من أجل لبنان. من أجل أن يبقى لبنان دولة عربية حضارية موجودة على خريطة الشرق الأوسط بهذه الصفة وليس بصفة كونها ذيلاً لإيران.

من الواضح أنّ لبنان ما زال يقاوم. الإصرار على المقاومة زاد من شراسة الهجمة الإيرانية التي كشفت أنّ «حزب الله» ليس معنياً من قريب أو بعيد لا بمصلحة لبنان ولا بمصلحة أبنائه. كيف يكون هناك مواطن، يحمل الجنسية اللبنانية، يرفض الاعتراف بأنّ السعودية لم تتوقف يوماً عن مساعدة لبنان بكلّ الطرق والوسائل الممكنة. هل حاولت المملكة يوماً فرض شيء على لبنان واللبنانيين؟

بعض الوفاء ضروري، أقلّه حماية للبنان واللبنانيين واحتراماً للذات وللواقع وللحقائق التي تؤكّدها الأرقام قبل أيّ شيء آخر.