قدمت دراسة حديثة إطارا جديدا لاستغلال الروائح النباتية في صد الآفات الحشرية، وكشفت للمرة الأولى الآلية التي تجعل من درجة التفاوت بين الروائح النباتية ودرجة الترابط التطوري ما بين الآفة والنبات سببا في المفاضلة بين الروائح التي تستخدم في صد الحشرات.
وقام الفريق البحثي بتطبيق نظريته في الروائح النباتية على ذبابة الكرنب اللفتي (Swede Midge)، لما تمثله الذبابة من مشكلة كبيرة لمزارعي البروكلي وغيره من محاصيل العائلة اللفتية.
ويعتبر ذباب الكرنب اللفتي من أخطر الآفات الزراعية التي تهدد مزارع الخضراوات في شمال شرق الولايات المتحدة، وتتغذى يرقاته -لضمان بقائها- على عائلة نبات الكرنب التي تضم العديد من الخضراوات الشائعة مثل البروكلي واللفت والقرنبيط والملفوف وبراعم بروكسل.
وتكفي ذبابة واحدة لدمار محاصيل حقول بأكملها، وتقوم اليرقات بمهاجمة النظام الجيني الحاكم في النبات المضيف، مما يؤدي إلى نمو مشوه كأن تنتج قرنبيطا دون رأس أو بأوراق مجعدة أو ندبات بُنية اللون.
معاينة الضرر
لا يتمكن المزارعون من ملاحظة الضرر إلا بعد فوات الأوان وتلف المحصول بأكمله، وهو ما تعرضت له بالفعل بعض المزارع في أجزاء من كندا ونيويورك وشمال فيرمونت عندما خسرت محاصيلها كاملة.
ولطالما اعتقد المزارعون بفاعلية زيوت النباتات العطرية مثل النعناع والريحان والخُزامى (عشبة) في صد الحشرات، دون أن يكون لديهم سبب يحدد اختيارهم لنوع الزيت العطري غير أن الدراسة الحالية قامت بتوضيح دور العامل الوراثي في صد الآفة.
وأظهرت الدراسة أنه كلما كانت النباتات أبعد في درجة قرابتها بالنبات المضيف، كانت زيوتها الأساسية أكثر فعالية في طرد آفاته الزراعية، فيما اكتشف الباحثون أن الزيوت الأساسية للثوم والنعناع والزعتر والليمون والأوكالبتوس (الكينا أو الكافور) والقرفة كانت أكثر فاعلية في صد الذباب.
ويصعب لدى البعض الابتعاد عن استخدام المبيدات الحشرية لكونها فعالة في قتل الحشرات، إلا أن الأمر يصبح صعبا بالنسبة للزراعة العضوية مما يزيد بأهمية الدراسة لمساعدتهم في حماية محاصيلهم ولا سيما أنهم لا يمتلكون حلا فعالا لإدارة الآفات.
فرضيات
حدد الباحثون الزيوت الأساسية لـ 18 نباتا تختلف في درجة ارتباطها بمحاصيل الكرنب المضيفة، وافترضوا أنه كلما كان الزيت النباتي أكثر بُعدا من حيث درجة قرابته بعائلة الكرنب كان أكثر فعالية في طرد ذباب الكرنب اللفتي، كما افترضوا أن الزيوت النباتية ذات التراكيب الكيميائية المختلفة ستكون الأقوى في صد الذباب.
ويرجح الفريق أن الحشرات ستكون قادرة على مقارنة التراكيب الكيميائية للروائح، مما سيؤدي إلى تضليل الذباب عن هدفه في إيجاد المضيف اللفتي وبالتالي الحفاظ على سلامة المحاصيل.
وراقب الباحثون كيف تتصرف أنثى ذباب الكرنب أمام نباتات القرنبيط التي تم رش كل منها بنوع من الزيوت الأساسية للتحقق من صحة نظريتهم، ووجدوا أن عينات القرنبيط المرشوشة بتلك الزيوت كانت بالفعل أقل عرضة لاستضافة بيض ذباب الكرنب مقارنة بالعينات غير المعالجة وأن الذباب قد تجنب النباتات المرشوشة ببعض من تلك الزيوت العطرية أكثر من غيرها.
وتأكد الباحثون من أن الروائح ذات التركيب الكيميائي المختلف عن العائلة اللفتية كانت الأكثر فعالية في صد الذباب، وبدا زيت الثوم أحد أكثر المواد الواعدة في هذا المجال خاصة وأن المنتجات العضوية المعتمدة التي تستخدم الثوم متاحة للمزارعين.
ويرى الباحثون أنه من المنطقي -من الناحية البيولوجية- أن يكون الذباب قادرا على اكتشاف هذه النباتات وتجنبها، لأن تلك الروائح ستؤدي إلى عدم تعرفه هذه النباتات على أنها مضيف، مما سيؤدي إلى القضاء على نسله عند وضع بيوضه على النبات الخطأ.