ربما هو أكبر نصر دبلوماسي خليجي وعربي في الأمم المتحدة. من يصدق؛ روسيا المتشددة والمتعاطفة مع ميليشيا الحوثيين لم تستطع إعاقة قرار مجلس الأمن الخاص باليمن. ما الذي فعلته الدبلوماسية الخليجية أمس حتى تقنع موسكو بالموافقة غير المباشرة على عاصفة الحزم، وهي التي اتخذت مواقف متصلبة منها؟ ماذا جرى لكي تأخذ العاصفة كل هذا التأييد الدولي من قبل أعلى سلطة أممية في العالم؟ إنه نفس المنطق الذي انطلقت معه العاصفة، بأنها ضرورة قصوى اضطرت إليها الرياض وحلفاؤها لإنقاذ اليمن، إثر طلب رسمي تقدم به الرئيس الشرعي ووفق قوانين الأمم المتحدة.
لم يحاصر مجلس الأمن في قراره ميليشيا الحوثيين وصالح ويطبق القرارات بشأنهم فحسب، وإنما بلغ الحد الأعلى من إجماع دولي غير مسبوق برفض استيلائهم على السلطة في اليمن، وبفرض عقوبات على قادتهم وعلى الرئيس المخلوع تحت الفصل السابع، كما أن القرار كان واضحًا في التهديد باتخاذ المزيد من التدابير في حالة عدم امتثال المتمردين للقرار 2216، أي أن عاصفة الحزم الحالية ما هي إلا أحد التدابير التي يستخدمها المجتمع الدولي لإيقاف احتلال اليمن.
نجاح الدبلوماسية التي قادتها السعودية يؤكد أن عاصفة الحزم حينما انطلقت لم تكن خطوة متهورة؛ فالرياض من الاستحالة أن تخالف القانون الدولي، ولديها من الخبرة والدراية ما يساندها في اتخاذ القرارات الكبرى في الأوقات العصيبة بمنتهى الحكمة، وها هو مجلس الأمن الدولي يؤكد صحة قرار العاصفة ويدعمه سياسيًا، وربما عسكريًا أيضًا، إذا لم يمتثل المتمردون للقرار خلال العشرة أيام المقبلة.
دول التحالف هي الأقوى نظريًا وعمليًا في الحرب الدائرة ضد ميليشيا الحوثي وصالح، ومع هذا يصر الطرف الأقوى على الدفع بخيار إيقاف الحرب واستئناف عملية الانتقال السياسي بمشاركة جميع الأطراف اليمنية، وفقًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهو الأمر الذي أكده المشروع الخليجي الذي أقره مجلس الأمن، فالحرب وسيلة وليست غاية تسعى لها دول التحالف، بل إن القرار يلوّح بمشاركة حوثية في الحوار ولا يقصيهم كمكون رئيسي في الساحة اليمنية، فالمسار السياسي لم ينفصل عن نظيره العسكري منذ انطلقت عاصفة الحزم.
وفيما تحقق الدبلوماسية الخليجية نجاحًا لافتًا غير مسبوق، تزداد السياسة الإيرانية عزلة وانكفاءً، ففي الوقت الذي يقف العالم احترامًا للكيفية التي نجحت فيها دول الخليج من إقناع الدب الروسي المتعنت دائمًا، نشاهد وزير الخارجية الإيراني، معزولاً، يعرض من إسبانيا مبادرة جديدة، لا أحد يعلم مناسبتها، للحوار وإنهاء العاصفة. طبعًا حوار دون عودة الحوثيين عن تمردهم. الوقائع على الأرض تثبت أن هناك عملاً سياسيًا جبارًا تقوم به دول مجلس التعاون، وهناك جعجعة إيرانية لا تخلف طحينًا، فقط تصدر ضجيجًا يصم آذان أصحابها أكثر من الآخرين.
صفعة خليجية باحترافية عالية وجهت نحو خصوم عاصفة الحزم، وبخاصة العرب الفرس الذين استماتوا تزويرًا وكذبًا بأن هذه الحرب عدوان ضد اليمن، فكان الرد من مجلس الأمن بأن العدوان الحقيقي قام به الحوثيون، وأن عاصفة الحزم تنقذ اليمنيين لا تحاربهم.
من نيويورك.. قدمت دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عمان، درسًا بالغ الأهمية في قدرتها على إبهار العالم دبلوماسيًا وسياسيًا وعسكريًا، بشرط أن لا تتضارب المصالح مهما اختلفت التوجهات.