علي الرباعي (الباحة)

ربما افتقدت الصحافة الاجتماعية رائداً من روادها الأوائل، لأسباب عدة، منها اختيار الدكتور سعيد فالح الغامدي التزام الصمت، والجنوح للتأمل. إذ وجد متنفساً عبر تغريدات سريعة يبثها يومياً تغني عن عشرات المقالات كما قال. لاسيما أن أستاذ علم الإنسان خبر الحياة وخبرته، ويرى أن الرحلة لا تستحق كل هذا العناء، لذا يتعامل مع الجميع بحس ساخر. وهنا مقتطفات مسامرة رمضانية «عكاظية» معه:

• عساك مروّق لنبدأ الحوار؟

•• والله يا أخي حلوة مروّق هذي. وللعلم هي فصيحة ومأخوذة من الروقان. وأهل الشام إذا انفعل أمامهم شخص قالوا «روق» وأهل مكة إذا كان أحدهم مشغولاً وجاء من يستثيره يقول له (يا واد روّقنا) وأصدقك القول أنا لا أعرف الروقان الذي يعرفه الناس، ولو لم أكن ساخراً من كل شيء لكنت في عداد الأموات.

•رمضان كريم عليك وعلى الأسرة الكريمة ؟

•• اتق الله. ألا تخشى الوقوع في الشرك، لا عاد تقول رمضان كريم. الله كريم فقط بحسب فتوى أحد مشايخ الإذاعة.

•بماذا تحتفظ من الذكريات الرمضانية ؟

•• ربما تتفاجأ أني من مواليد هذا الشهر. وربما دار في رأس والدي أن يسميني رمضان. سماني سعيد تسمية مصلحة، باسم رجل الأعمال سعيد بن كدسة. الذي أعطى لأبي مائة ريال فرانسه.

•معنى هذا كان لمولدك فضل بحبوحة الشيبة ؟

•• نعم، وهناك فضلٌ ثانٍ، فبعد أن تخرجت مدرساً من معهد المعلمين الابتدائي عينت في وادي الصدر، واقتنيت حماراً فحلاً أسميته (يعفور) وأهديته لأبي، وغنم منه خيراً إذ كان أهل القرية يطلبونه للتلقيح ويدفعون له أجرة، مع أنه مكروه من الناحية الشرعية.

•هل أنت سعد على أمك أيضاً ؟

•• ما أظن، ولدتني أمي وأصابتها حمى النفساء، فعزلوني عنها من أول يوم. وكان معنا في بيشة عائلة تقوم على تلقيح النخل ومساعدة الوالد في السقي والحصاد، وكانت زوجة العامل مرضعاً فضمتني إلى صغيرها وربما أني استأثرت بحليب المرأة الطيبة وحرمت ابنها منه فمات، فكنت نحساً ثانيةً على الأسرة الطيبة، فخشي والدي من تطاول حبل نحسي ليطاله، فشدني على بعير وأخرجني من بيشة وألحقني بأختي في بني كبير في الباحة وعمري شهران، فكانت نعم الكافل.

•من أين كل هذه القسوة في رأسك ؟

•• أولاً من السيدة المرضعة في بيشة، إذ هي من قوم معروفين بقسوة الرأس، ثم عند أختي أصبحت مرضعتي «عنز»، دربتني أختي على الرضاع منها لأنها طيلة النهار في الوادي. ثم غدوت ماهراً، أحبو حتى أدركها ثم أطرحها وألتقم ثديها والماعز كما تعلم لا أقسى من روسها.

•ما قصة عمك غرم الله الدولي الذي كنت تصدر به مقالاتك في زاوية (نصف الحقيقة) ؟

•• اسم رمزي اختبئ وراءه لتمرير بعض ما يمكن أن يتحفظ عليه الرقيب، فأمرر أفكاراً خلف الأسماء المستعارة. وظل ملازماً لي حتى زعل مني أخيرا عندما قلت له أنت سعيد ومحظوظ، لا بدلات تنخصم ولا ضرائب أضيفت، وقاعد تتشمت فينا. قال: «أفا يا ذا العلم» أنا ليس من طبعي الشماتة يا ولد، وقفل الخط في وجهي، وقال لا عاد تكلمني.

•ماذا عن تجربتك في سجن الرويس ؟

•• قررتُ القيام ببحث عن أوضاع السجناء عام 1409، ورتبت مع الإدارة العامة للسجون، وكلفت من جامعة الملك عبدالعزيز، ودخلت سجيناً بتهمة (سرقة سيارات)، وخرجتُ ببحث طويل عن السجون (التغير الاجتماعي والجريمة)، وأزعم أن البحث كان سبباً في إغلاق سجن الرويس. إذ كنت فيه صريحاً ووطنياً، وقضيت عامين في السجن من عنبر إلى عنبر. رصدت أشياء مبكية، وأخرى مضحكة، وثالثة تحير الألباب، ختمت البحث وأرسلته مدعوماً من الجامعة وعرض على وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله. وبعدما قرأ البحث تم استدعائي والتقيت به في مكتبه. عرّف بي الدكتور إبراهيم العواجي فقال سموه: ونعم معروف. وألحقها: يا دكتور كانت موسك حادة في البحث. ما حاولت تستر عيوبا. فقلت: يا سموك طلبتم مني نقل صورة وأنا مصور التقطت الصورة وقدمتها لكم دون تحميض ولا تجميل. فشكرني، واستوقفني مدير مكتبه ليعطيني ظرفا به 50 ألف ريال. وقال لي الأمير سيرد على الجامعة، ولما عدت للجامعة سلموني خطاب شكر. ولكني بعد عامين لاحظت تغيرات كبيرة على السجون، وأكاد أزعم أن الأمير نايف رحمه الله وجه بالأخذ بجميع التوصيات حرفيا وتم تطبيقها.

•هل توقفت عند هذا الحد مع السجون ؟

•• كلفت مجدداً من الأمير نايف في 1412 بدراسة ثانية لأوضاع السجون، فوجدت السجون غير السابق، إذ توفر فيها جانب الرعاية الاجتماعية، ومرشدون، درت على جميع سجون المملكة في عامين، ووجه سموه بصرف مكافأة بلغت 120 ألف ريال.

•ماذا تفعل إذا كنت في التراويح وأخذ الإمام يدعو على الليبراليين والعلمانيين ؟

•• سأقول آمين. ولا حول ولا قوة إلا بالله. لكن أنت ما تشوف أنهم على ما يرسلون من دعاء ما زالت قيادة العالم ليست في أيديهم، وهؤلاء (…….) ما يعرف أحدهم يصنع سروالاً لنفسه، ومن يدعون عليهم يوفرون لهم كل سبل الحياة الكريمة بما فيها مكرفونات المساجد.

•لماذا نحن متوترون في رمضان ؟

•• الرفاهية عززت النرجسية. نحن لا نداوم في رمضان إلا عند العاشرة، والدوام خمس ساعات، وعطلات، وخيرات على الموائد. أخلاقنا شانت من النعمة والترف، كل يرى أنه أحق من غيره في الطريق، وفي الطابور، ونتدافع على الفول والسوبيا كأننا كنا محبوسين عن الأكل. مجتمعنا رخوي. الزوجة تذهب للمخفر تشتكي زوجها، والبنت والولد يشكيان أباهما، ولم نستفد من كل التجارب المأساوية المحيطة بنا